تتنافس العملات الرقمية، مثل البيتكوين، مع النظام المالي التقليدي منذ ظهورها في السوق في العقد الماضي. وفي الوقت الذي ترتفع فيه نسبة استخدام العملات الرقمية، يتم توجيه انتقادات عديدة لها بشأن استهلاك الطاقة المرتبط بعمليات التعدين. ومع ذلك، تظهر الأبحاث والمقارنات أن هذه العملات قد تستهلك موارد أقل بكثير من النظام المصرفي التقليدي. في البداية، يجب أن نفهم كيف يعمل كل من النظام المالي التقليدي والعملات الرقمية. النظام المصرفي التقليدي يتطلب وجود بنوك فيزيائية، صرافة نقدية، ونفقات تشغيلية مستمرة. كل عملية مالية تتم تحت إشراف المؤسسات المالية تتطلب موارد هائلة من حيث الأفراد، التقنية، والمباني. على سبيل المثال، تمتلك البنوك التقليدية شبكات ضخمة من الفروع التي تحتاج إلى صيانة، بالإضافة إلى تكاليف التشغيل المرتبطة بالأمن والموارد البشرية. في المقابل، تعمل العملات الرقمية مثل البيتكوين على نظام يعتمد على تكنولوجيا البلوكشين. هذا النظام لا يحتاج إلى بنوك أو وسطاء لتأكيد المعاملات، مما يقلل من الحاجة إلى الموارد التقليدية. يعتمد البيتكوين على شبكة موزعة من الحواسيب التي تتحقق من صحة المعاملات وتضيفها إلى سجلات عامة. هذا الأمر يقلل كثيراً من تكاليف التشغيل المرتبطة بالمؤسسات المالية التقليدية. تشير دراسة حديثة إلى أن البيتكوين يستهلك أقل من 0.5% من إجمالي الطاقة المستخدمة من قِبَل النظام المصرفي التقليدي. كما أن هذا الرقم يعكس فعالية البيتكوين في تقليل النفقات التشغيلية والكابلات الداعمة. علاوة على ذلك، يمكن أن تقارن العملات الرقمية بأسواق أخرى مثل الذهب، حيث يتطلب تعدين الذهب موارد ضخمة من المياه والطاقة. من الجدير بالذكر أن النقاد يتحدثون كثيراً عن كمية الطاقة العالية التي تستهلكها عمليات التعدين، لكن يجب تحليل هذه المعضلة من زاوية مختلفة. في العديد من الحالات، يتم استخدام مصادر طاقة متجددة لتغذية عمليات التعدين. فهناك العديد من المناجم التي تعمل بالطاقة الشمسية، الهوائية، أو حتى الطاقة الكهرومائية. بمعنى آخر، يمكن اعتبار عمليات التعدين فرصة لتعزيز استخدام الطاقة المتجددة. عندما نتحدث عن استهلاك الموارد، يجب أن نأخذ في اعتبارنا أيضاً البصمة الكربونية المرتبطة بالنظام المالي التقليدي. تتطلب العمليات البنكية التقليدية تعبئة وتوزيع النقد، والتي تشمل وسائل النقل والموارد المهدرة. المكاتب والفروع البنكية تحتاج إلى تكييف ووسائل راحة للموظفين، مما يزيد من الاستهلاك العام للطاقة. بالإضافة إلى ذلك، لكل عملية تمويل هناك تكاليف إضافية مصدرها الرسوم البنكية والفوائد، وهو ما يؤدي إلى تحميل الأفراد والشركات أعباء مالية. في العملة الرقمية، يتجاوز الأمر تكاليف التعدين؛ إذ تتميز العمليات بأنها شفافة ومباشرة، مما يقلل التكاليف المالية التي تتحملها الأطراف المعنية. تتمثل إحدى أهم مزايا العملات الرقمية أيضاً في إمكانية الوصول إليها. فالأفراد في المناطق النائية أو الدول التي تعاني من عدم استقرار مالي يمكنهم الوصول إلى نظام مالي بديل من دون الحاجة إلى بنوك تقليدية. هذا الأمر يمكّن ملايين الأشخاص من مختلف أنحاء العالم من الانخراط في الاقتصاد العالمي. أيضاً، تستمر الابتكارات في مجال العملات الرقمية في الدفع نحو تحسين استهلاك الطاقة. هناك مشاريع جديدة تظهر بصفة دورية تهدف إلى تحسين كفاءة عملية التعدين وتقليل استهلاك الموارد. وقد يسهم تطوير تكنولوجيا جديدة مثل الـ"Proof of Stake" كأسلوب بديل لتأكيد المعاملات بدلاً من أسلوب "Proof of Work" في تقليل الحاجة إلى الطاقة. عندما نفكر في مستقبل الأموال، يجب أن نحاول فهم الطرق التي يمكن بها استخدام تكنولوجيا البلوكشين لتحسين النظام المالي بأسره. قد تكون العملات الرقمية الوسيلة التي تمكّننا من تقليل الاعتماد على الموارد التقليدية وفتح عالم جديد من الفرص. ختاماً، هناك الكثير من التحديات التي تواجه العملات الرقمية، بما في ذلك التنظيم وسيطرة الحكومة. إلا أن المناقشات حول كفاءة استخدام الموارد في العملات الرقمية مقارنة بالنظام التقليدي تمثل جزءًا من الصورة الكبيرة. يتطلب الجيل القادم من المال تفكيرًا مختلفًا، ودراسة جدوى متأنية حول كيفية تحويل المجتمع نحو استخدام أكثر كفاءة وابتكارًا. العملات الرقمية ليست مجرد فقاعة أو ظاهرة عابرة؛ بل هي جزء من مستقبل المال الذي يتطور ليصبح أكثر استدامة وفعالية.。
الخطوة التالية