في السنوات الأخيرة، أصبح عالم العملات الرقمية وتحويلاته مثار اهتمام عالمي. ومع ارتفاع سعر البيتكوين إلى مستويات قريبة من أعلى قيمة له على الإطلاق، أصبحت البنوك والمؤسسات المالية الكبرى من أبرز اللاعبين في هذه الساحة الناشئة. في هذا السياق، يُستخدم مصطلح "حيتان البيتكوين" للإشارة إلى الأفراد أو الكيانات التي تمتلك كميات كبيرة من البيتكوين، مما يعكس تأثيرهم الكبير على السوق. ولكن من هم هؤلاء الحيتان بخلاف البنوك؟ في البداية، دعونا نتحدث عن المخزون المحدود للبيتكوين. وفقًا للنظام الأساسي للعملة، لن يتم إنشاء أكثر من 21 مليون بيتكوين. وحتى الآن، تم تعدين حوالي 19 مليون بيتكوين، إلا أن الكثير منها محجوز بالفعل أو ضائع. التقديرات تشير إلى أن هناك ما بين 3 إلى 6 ملايين بيتكوين ضاعت بشكل دائم، نتيجة لعدة أسباب مثل نسيان تفاصيل المحفظة الرقمية أو من خلال عمليات الاختراق. تخزين العملات على منصات التداول، مثل Binance وCoinbase، يمكن أن يزيد من مخاطر الفقدان، كما حدث مع منصة FTX الشهيرة التي انهارت بشكل مفاجئ. هناك تقارير تشير إلى أنّ حوالي 2.3 مليون بيتكوين تُعتبر محفوظة على مثل هذه المنصات، تمثل تقريبًا 11% من إجمالي المعروض. لكن البنوك ليست الوحيدة التي تشارك في هذا السوق. يعد من المثير للاهتمام أن نعرف أن هناك أكثر من 80 محفظة تحتوي على أكثر من 10,000 بيتكوين. هذه المحفظات تندرج تحت فئة الحيتان، حيث يُقدّر أن هذا العدد من المحفظات يمتلك جملة توازي حوالي 8% من جميع البيتكوين المتداول. لكن مع ذلك، يبقى أصحاب هذه المحافظ مجهولين، مما يضيف عنصر الغموض حول من يهيمن على هذا السوق. ومن بين الحيتان، نجد أيضًا مؤسسات استثمارية مثل Grayscale وBlackRock وFidelity، التي بدأت مؤخرًا في تداول البيتكوين بشكل نشط. منذ أن تمت الموافقة على صناديق الاستثمار المتداولة التي تتصل بالبيتكوين، بدأت هذه الشركات في شراء كميات هائلة من البيتكوين، مما أدى إلى زيادة جاذبية العملة. تظهر البيانات أنه بحلول نهاية فبراير 2024، كانت هناك تقديرات تشير إلى أن هذه المؤسسات قد استحوذت على حوالي 933,000 بيتكوين. يُقال إن أكبر حائز هو Grayscale، الذي يمتلك حوالي 450,000 بيتكوين، بينما تملك BlackRock حوالي 150,000 وعادة ما يحتفظ بها كجزء من استراتيجياتها الاستثمارية. كما أن العديد من الكيانات القانونية، مثل الشرطة والسلطات القضائية، تحتفظ بكميات كبيرة من البيتكوين التي تم الاستيلاء عليها من خلال التحقيقات في الجرائم الإلكترونية. تُقدّر الأرقام أن هناك حوالي 200,000 بيتكوين محتجز نتيجة لمثل هذه العمليات، والتي قد يتم بيعها في المزادات بشكل لاحق. وبالطبع، لا يمكن تجاهل الأفراد الذين يمتلكون كميات كبيرة من البيتكوين. مثلًا، يُعتبر "ساتوشي ناكاموتو"، الذي يُعتقد أنه مؤسس البيتكوين، من بين أكبر حيتان البيتكوين، حيث يمتلك حوالي 1.1 مليون بيتكوين لم يتحرك منها أي كمية منذ سنوات. هذا يجعله يحتل مكانة مميزة في تاريخ العملة، حيث يمكن أن يجعله من أغنى الأشخاص في العالم. وتظهر المنظمات العامة مثل حكومة السلفادور، التي قررت اعتماد البيتكوين كعملة رسمية، الاهتمام الكبير بهذه العملة. لقد قام الرئيس بشراء البيتكوين باستخدام الأموال العامة كجزء من خطة استثمارية مثيرة للجدل. هذه المبادرة تثير تساؤلات حول مدى فعالية ونجاح الاستثمار في البيتكوين على المستوى الحكومي. من جهة أخرى، نجد أن بعض الأفراد، مثل المستثمر الأمريكي الشهير تيم درابر، قد قام بعمليات شراء كبيرة، حيث اشترى حوالي 30,000 بيتكوين في مزاد حكومي لأموال تم الاستيلاء عليها من سوق Silk Road. يُعتقد أنه لا يزال يمتلكها وأنه يواصل زيادة حصته. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساهم الشركات التي تدعم الابتكار في هذا المجال، مثل "Block" التي أسسها جاك دورسي، في دخول كميات كبيرة من البيتكوين إلى السوق. حيث تشير الأبحاث إلى أن الشركات المدرجة في البورصة تمتلك حوالي 40,000 بيتكوين. كما أن "MicroStrategy"، التي يرأسها مايكل سايلور، تمتلك حوالي 193,000 بيتكوين، مما يجعلها واحدة من أكبر مالكي العملة. وبجانب هذه الكيانات، نجد أيضًا المستثمرين الأفراد مثل وينكلفوس توينز، الذين يمتلكون في الوقت الحالي حوالي 70,000 بيتكوين وفقًا لتقارير سابقة. التقدير الإجمالي يفيد بأن حوالي 10.5 مليون بيتكوين مملوكة من قبل الأفراد، بناءً على البيانات المتاحة. ومع تزايد اهتمام المؤسسات المالية التقليدية في البيتكوين، يتزايد القلق بين الأنصار التقليديين للعملة حول كيفية تأثير هذا على فلسفتها الأصلية كوسيلة للتحويل بين الأفراد بعيدًا عن المؤسسات الكبيرة. رغم ذلك، شهدت قيمة البيتكوين زيادة هائلة، ويرجع ذلك إلى زيادة الطلب من "الحيتان" الجدد مما يعيد تشكيل سوق العملات الرقمية. يتساءل الكثيرون عن مستقبل البيتكوين وخصوصية الأفراد الذين يمتلكون هذه العملة. الآثار المترتبة على الاعتراف المؤسسي والمشاركة المتزايدة من قبل البنوك يمكن أن تكون له تأثيرات إيجابية وسلبية على حد سواء على سوق العملات الرقمية. هل ستحافظ البيتكوين على روحها الأصلية كوسيلة تداول حرة، أم ستتحول إلى مجرد آلية استثمارية يتحكم فيها القوي؟ الزمن كفيل بالإجابة على هذا السؤال.。
الخطوة التالية