تجاوز الدين العام الأمريكي 34 تريليون دولار، ليشكل علامة فارقة جديدة في سياسة الإنفاق والعجز المالي في الولايات المتحدة. ومع توقعات تشير إلى أن فوائد هذا الدين ستصل إلى 3 تريليونات دولار بحلول عام 2030، فإن التحذيرات والمخاوف بشأن استدامة الاقتصاد الأمريكي تتزايد بشكل كبير. هذه الأرقام ليست مجرد أرقام للخائفين، بل تمثل تحديات حقيقية للنمو الاقتصادي والأمن المالي للولايات المتحدة والعالم أجمع. على مر العقود، كانت الولايات المتحدة تعيش على حافة الأزمات المالية، حيث يتم تمويل العجز من خلال الاقتراض. وقد سهّلت السياسات النقدية التيسيرية بعد الأزمة المالية في 2008 هذه الظاهرة، مما شجع الحكومة على زيادة الإنفاق لتحفيز الاقتصاد. ومع ذلك، يبدو أن هذا النموذج أصبح غير مستدام، حيث أن الدين يتزايد بسرعة تفوق أي قدرة على سداده. كما أن الفوائد المدفوعة على هذا الدين تمثل عبئاً ضخماً على ميزانية الحكومة. في حين أن الحكومة تعتمد على نمو الاقتصاد لزيادة الإيرادات الضريبية، فإن تحذيرات الاقتصاديين تشير إلى أن النمو قد يكون أقل من المتوقع، مما يجعل الأمر أصعب على الحكومة لتلبية التزاماتها. تشير التوقعات إلى أن الفائدة على الدين الوطني الأمريكي ستصل إلى 3 تريليونات دولار بحلول عام 2030، وهذا يعني أن جزءاً كبيراً من الميزانية سوف يوجه لدفع فوائد الديون، مما يحد من الإنفاق على البرامج الاجتماعية والبنية التحتية والتعليم والصحة. ويعني ذلك أيضاً أن الأجيال القادمة ستواجه عبئاً إضافياً، حيث سيكون عليها التعامل مع دين متزايد وفوائد طائلة. المسؤولون الأمريكيون في مختلف المستويات يتحدثون عن ضرورة معالجة هذا الدين، لكن التحديات السياسية تجعل من الصعب اتخاذ قرارات صعبة. النضال بين الديمقراطيين والجمهوريين حول كيفية تقليل العجز والديون يجعل من الصعب إحراز تقدم. بينما يركز الجمهوريون غالباً على تقليص الإنفاق، يسعى الديمقراطيون عادةً إلى زيادة الضرائب على الأغنياء. لكن في نهاية المطاف، فإن كلا الجانبين يحتاجان إلى التوصل إلى حل يعالج المشكلة بشكل فعّال. هناك أيضاً مخاوف من تأثير الدين المتزايد على الأسواق المالية. مع زيادة الدين، قد ترتفع أسعار الفائدة، مما يجعل اقتراض الأموال أكثر تكلفة. ستؤثر هذه الزيادة على الأفراد والشركات، مما قد يؤدي إلى إبطاء النمو الاقتصادي وزيادة البطالة. أيضاً، يشير العديد من الاقتصاديين إلى أن ارتفاع الدين العام قد يؤثر على مكانة الولايات المتحدة كقوة اقتصادية عالمية. فالاعتماد على الديون قد يضعف الثقة في الدولار الأمريكي كمصدر رئيسي للاحتياطات العالمية، مما قد يؤدي إلى تهديد الاقتصاد الأمريكي في المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لمعدل التضخم، الذي لا يزال يشكل مصدر قلق، أن يؤثر أيضاً على كيفية إدارة الدين. إذا ارتفعت معدلات التضخم، قد تلجأ الحكومة إلى طباعة المزيد من الأموال لسداد الديون، مما قد يسبب تداعيات سلبية على الاستقرار المالي. الأوضاع الاقتصادية العالمية قد تساهم أيضًا في هذا السياق. في ظل التوترات الجيوسياسية وحالات عدم اليقين الاقتصادي، قد تجد الحكومة نفسها في موقف حرج إذا كانت بحاجة إلى الاقتراض بنسب عالية في ضوء الظروف المتغيرة. قد تتأثر الدول الأخرى في حال قررت الولايات المتحدة تغيير سياساتها الاقتصادية بشكل جذري أو تقليص دورها كقوة عالمية. وفي سياق هذه الأرقام المشؤومة، يصبح من الضروري أن يتمتع المواطن الأمريكي بفهم أعمق لوضع بلاده المالي. فالتعليم المالي يجب أن يكون جزءًا من المناهج الدراسية، حتى يصبح الناس أكثر وعياً بالتحديات المالية التي تواجه الأمة وكيف يمكنهم التأثر بها. في النهاية، يجب أن تدرك الحكومة الأمريكية الحاجة الماسة إلى اتخاذ خطوات جادة تجاه معالجة الدين العام. ذلك يتطلب تخطيطاً طويلاً الأمد وموافقة سياسية عبر الأحزاب، بالإضافة إلى مواكبة الأوضاع الاقتصادية العالمية. يجب ألا ننتظر حتى يصل الدين إلى مستويات غير قابلة للإدارة قبل أن نبدأ في اتخاذ القرارات الحاسمة. إنه وقت التغيير، وبدون ذلك، قد نواجه عواقب غير محمودة على الاقتصاد الأمريكي وعلى الأجيال القادمة. ففي العالم المعاصر، لا يمكن تجاهل الدين، بل يجب التصدي له بحزم والتفكير في كيفية بناء مستقبل أكثر استدامة وازدهارًا للجميع. الأميركيون ليسوا بحاجة فقط إلى أمل في ارتفاع مستقبلي، بل إلى ضمان مالي صلب يعزز من قدرتهم على مواجهة الأزمات والتحديات.。
الخطوة التالية