تتزايد الملاحظات والهتافات التي تعكس مشاعر مختلطة بين الناخبين الذين صوتوا لدونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، ورغم استيائهم من شخصيته وتصرفاته، فإنهم لا يترددون في الإعراب عن تأييدهم للسياسات التي اتبعها أثناء فترة رئاسته. فما الذي يحدث هنا؟ لماذا يصوت الناس لرجل يصرحون بأنهم لا يحبونه؟ تتبع هذه الظاهرة نمطاً معروفاً في السياسة الأمريكية، حيث يتركز التأييد في بعض الأحيان على الأفكار والسياسات بدلاً من الشخصيات. من الواضح أن العديد من الناخبين الذين انحازوا لترامب في عام 2016 وما تلاه من انتخابات لديهم آراء متباينة حول شخصيته. فبينما يرونه شخصية مثيرة للجدل، فإنهم يجدون قيمة وأهمية في بعض السياسات التي تبناها. العديد من هؤلاء الناخبين ينظرون إلى السياسات الاقتصادية لترامب باعتبارها إيجابية. فعندما كان ترامب في الحكم، شهدت البلاد نمواً في سوق العمل وتخفيضاً في معدلات البطالة، كما زعم العديد من المحللين الاقتصاديين أن سياساته الضريبية ساهمت في تحفيز الاقتصاد. هؤلاء الناخبون، رغم انزعاجهم من سلوكيات ترامب والخلافات التي أثارها، يجدون أنفسهم في موقف دفاعي عن السياسات الاقتصادية التي حققها. تتخطى الأسباب السياسية الحدود الاقتصادية، فهناك أيضاً مسألة الأمن الوطني والهجرة. وجد عدد كبير من الناخبين أن استراتيجيات ترامب فيما يتعلق بالحدود والهجرة قد تلقت تأييدهم، حتى لو كان العديد من هؤلاء لا يتفقون مع أسلوبه في التعامل مع هذه القضايا. لقد تمحورت حملته الانتخابية حول فكرة "أمريكا أولاً"، وهو شعار استقطب الكثير من الناخبين الذين يشعرون بأن مصالحهم واحتياجاتهم تم تجاهلها لفترة طويلة. ومع ذلك، يُظهر الناخبون الذين يتحدثون بشكل إيجابي عن السياسات أنهم يفسرون الدعم لشخص ترامب بشكل مختلف. فبينما يعتبرون سياسته بخصوص "أمريكا أولاً" مجرد هيكل عام يُعبر عن رغبتهم في رؤية أمريكا في الصدارة على الصعيدين الاقتصادي والدولي، فإنهم يعبرون عن استيائهم من عنصريته وسلوكياته الاستفزازية. تجدر الإشارة إلى أن هذه الديناميكية ليست فريدة من نوعها بالنسبة لترامب. فقد شهدت السياسة الأمريكية سابقاً انعكاسات مشابهة في تصرفات الناخبين تجاه شخصيات سياسية مختلفة. ولكن ما يجعل حالة ترامب فريدة هو الاختلاف الواضح بين ردود الفعل تجاه السياسات الشخصية وبين مشاعر الاستياء من الدوافع والسلوكيات. في حديث مع بعض الناخبين، يبدو أن هناك قناعة بأن السياسات يمكن أن تكون مفصولة عن الشخص. يقول أحد الناخبين: "أحببت بعض القرارات التي اتخذها ترامب وما حققه لبلدنا، ولكن كشخص، كان دائماً مختلفاً عما كنت أبحث عنه في القائد". يجد هؤلاء الناخبون نافذة للتعبير عن دعمهم للسياسات مع الاحتفاظ بوجهات نظرهم السلبية عن سلوكيات ترامب. ومع اقتراب الانتخابات المقبلة، تطرح هذه الديناميكية أسئلة عميقة حول الكيفية التي يمكن أن تؤثر بها هذه المشاعر المختلطة على الانتخابات المستقبلية. هل سيتجاوز الناخبون هذه التوترات، ويستمرون في دعم ترامب كمرشح رئاسي آخر، أم سيبحثون عن مرشح يمثل روح أفكارهم بطريقة أكثر توافقاً مع قيمهم الشخصية؟ تكمن الصعوبة أيضاً في أن العديد من الناخبين الذين يشعرون بدعمهم لسياسات ترامب بدأوا في الانجراف نحو حركات سياسية أخرى أو مرشحين آخرين. في الوقت نفسه، تظل بعض السياسات التي خدمها ترامب محاور نقاش ساخنة بين المشرعين والجمهور. هذا التناقض بين دعم السياسات والشخص يحتاج إلى فهم عميق. نحن في عصر إعلامي يتسم بالتقلبات السريعة والمعلومات المتناقضة. وبدلاً من التركيز فقط على من هو الرئيس، يتحول النقاش إلى ما إذا كانت سياساته تستحق الدعم، وكيف يمكن أن تكون هذه السياسات مفيدة في سياق الحياة اليومية للناس. تنتشر الآراء بين الناخبين من مختلف المشارب السياسية، وعندما يتم سؤالهم عن آرائهم، يمكن أن يقدموا صورة متعددة الوجوه عن الوضع السياسي. لذلك، من المهم أننفهم أن هذا التحليل لا يمكن أن يُفهم من خلال الثنائيات المسطحة — "أحب ترامب" أو "أكره ترامب". بل هو أكثر تعقيداً وأعمق بكثير، مع الأخذ في الاعتبار كيف تتداخل السياسات مع المشاعر والأيديولوجيات. في النهاية، يمكن أن تكون حالة الناخبين الذين يساندون السياسات دون تأييد شخص ترامب مثالاً على أن القيم والمبادئ الأساسية يمكن أن تختلف عن شخص الحكم. فبينما يتجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع، يواجهون الخيار الدائم بين قائد يفضلونه والشريان الأساسي الذي يوفره له في شكل السياسات التي يؤمنون بها. وكلما اقتربت الانتخابات، سيتعين على الناخبين استكشاف هذه الروابط المعقدة بين السياسات والشخصيات، والتفكير في كيفية تأثير تناقضاتهم على اختياراتهم المستقبلية.。
الخطوة التالية