تعتبر تجربة السلفادور في استخدام البيتكوين كعملة قانونية واحدة من التجارب الأكثر إثارة للجدل في العالم. في عام 2021، أصبحت السلفادور أول دولة في العالم تتبنى البيتكوين كعملة قانونية، مما أثار اهتماماً كبيراً من وسائل الإعلام والمستثمرين على حد سواء. بينما كان الجميع يتحدث عن الفوائد المحتملة لهذه الخطوة، كان هناك جانب مجهول لم يُناقش كثيراً، وهو تأثيرها على الفقراء الرقميين. قبل الغوص في تفاصيل التجربة، من المهم أن نفهم السياق الاقتصادي والاجتماعي في السلفادور. البلاد تعاني من معدلات عالية من الفقر والبطالة، مما يجعل العديد من المواطنين يعتمدون على التحويلات المالية من المغتربين في الخارج. وفقاً للبنك الدولي، تشكل هذه التحويلات حوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي للسلفادور. في الوقت الذي تم فيه تقديم البيتكوين كحل لتحسين الاقتصاد وتعزيز الشمول المالي، لم يكن لدى الكثير من السكان البنية التحتية اللازمة للوصول إلى هذه العملة الرقمية، مثل الإنترنت الموثوق والأجهزة الحديثة. وفقًا لتقارير، حوالي 70% من سكان السلفادور لا يمتلكون حسابات مصرفية، مما يجعلهم في وضع غير مؤاتٍ لتحقيق الفوائد الخاصة بالبيتكوين. الترويج للبيتكوين كوسيلة للتعامل المالي يتطلب فهمًا عميقًا للتكنولوجيا. ولكن لا يملك معظم المواطنين المعرفة الفنية أو المهارات اللازمة لاستخدام البيتكوين بشكل فعال. هذا الأمر يعني أن الفقراء الرقميين، الذين هم بالفعل خارج النظام المالي التقليدي، لم يجدوا مكانًا لهم في هذا النظام الجديد. من جهة أخرى، كان الجزء الأكبر من دعم البيتكوين يأتي من المستثمرين الأثرياء والشركات الكبرى، الذين رأوا في السلفادور فرصة لتحقيق أرباح سريعة. ولكن بالنسبة للفقراء الذين يعيشون في المناطق الريفية أو الحضرية، فكان التحول إلى البيتكوين مجرد فكرة بعيدة. التحديات التي واجهتها السلفادور ليست موحدة، بل تتنوع من منطقة إلى أخرى. فالمناطق الحضرية قد تتمتع ببعض البنية التحتية اللازمة، لكنها لا تزال تواجه تحديات تتعلق بالتعليم والتوعية حول استخدام البيتكوين. بينما تعاني المناطق الريفية من نقص في وصول الإنترنت والخدمات المالية، مما يزيد من الهوة الرقمية. إضافةً إلى ذلك، أظهرت الدراسات أن التقلبات الكبيرة في سعر البيتكوين يمكن أن تكون مرهقة للمستخدمين غير المدربين. في فترات هبوط السعر، يتعرض المواطنون الذين يعتمدون على البيتكوين لضغوط مالية غير مسبوقة، مما يجعلهم أكثر عرضة للفقر. منذ بداية استخدام البيتكوين، كانت الحكومة السلفادورية تقدم حوافز للمواطنين لتشجيعهم على استخدام العملة الرقمية. ولكن هذه الحوافز لم تكن كافية لتعويض التحديات التي يواجهها الفقراء الرقميون. ونظرًا لعدم وجود استجابة قوية من هؤلاء السكان، من المؤسف أن نسبة كبيرة منهم ظلت خارج دائرة الاستفادة من التحول المالي. هذا الأمر يطرح سؤالًا مهمًا حول كيفية تحقيق الشمول المالي الحقيقي. إن تبني عملة مثل البيتكوين يثير العديد من المخاوف الاجتماعية والاقتصادية. الجيل الجديد من الفقراء الرقميين يحتاج إلى تعليم وتمكين بالمعرفة المالية ليتمكنوا من الاستفادة من الفرص الجديدة. في الجانب الإيجابي، طورت بعض المنظمات غير الحكومية والمبادرات المجتمعية برامج تعليمية تهدف إلى رفع مستوى الوعي حول البيتكوين وكيفية استخدامه بين الفئات الضعيفة. هذه المبادرات تعتبر خطوة إيجابية نحو الشمول المالي، ولكنها لا تزال تواجه تحديات كبيرة في الوصول إلى كافة الفقراء. في النهاية، تُظهر تجربة السلفادور مع البيتكوين كيف يمكن أن تكون التجارب الرائدة في العالم مجرد خطوة أولى نحو تحقيق فوائد أكبر، لكن دون اتخاذ إجراءات حقيقية للتأكد من أن الفقراء الرقميون ليسوا خارج المعادلة. عند النظر إلى المستقبل، يجب على السلفادور وغيرها من الدول أخذ العبر من هذه التجربة. لتحقيق فوائد حقيقية من الابتكارات المالية الجديدة، يجب أن تكون هناك استراتيجيات شاملة تركز على التعليم، البنية التحتية، والمساواة في الوصول إلى التكنولوجيا. لا يمكن أن يكون هناك تقدم حقيقي في أي مجتمع إذا كانت شريحة منه تعاني من التهميش. لذا، فإن السلفادور تحتاج إلى إعادة النظر في سياساتها تجاه البيتكوين لضمان أن جميع المواطنين، بما في ذلك الفقراء الرقميون، يمكنهم المشاركة في اقتصاد القرن الحادي والعشرين.。
الخطوة التالية