في نوفمبر 2024، أصدرت الحكومة الكمبودية قرارًا بحظر العديد من مواقع تبادل العملات الرقمية الشهيرة مثل باينانس وكوينباس. كان الهدف من هذا الحظر هو تعزيز الرقابة الحكومية على العمليات المالية في البلاد، ودعم العملة المحلية، ومحاربة الجرائم الإلكترونية. ورغم نوايا الحكومة الحسنة، إلا أن هذا الحظر يفتقر إلى الفعالية ويواجه عقبات كبيرة تهدد تحقيق أهدافه. يحتل السوق الكمبودي للعملات الرقمية مكانة مهمة في الاقتصاد الوطني، حيث كانت البلاد من بين أعلى 20 دولة في تبني العملات الرقمية في عام 2024. وبحسب التقديرات، فإن السوق المحلي للعملات الرقمية يقدر بحوالي 7.9 مليون دولار مع قاعدة مستخدمين متوقعة تصل إلى 539,000 بحلول عام 2025. وبالتالي، أصبح التساؤل حول فعالية الحظر مثار جدل كبير في الأوساط الاقتصادية. تشير الدوافع وراء حظر العملات الرقمية في كمبوديا إلى ثلاث نقاط رئيسية. الأول هو تعزيز الرقابة الحكومية، حيث تقتصر منصات تبادل العملات الرقمية المسموح بها على منصتين محليتين فقط. ومع ذلك، تظل البورصات العالمية مثل باينانس الأكثر شعبية بسبب تكاليف التداول المنخفضة. الدافع الثاني وراء الحظر هو تعزيز الطلب على العملة الكمبودية، الرئيل. حيث إن النظام الاقتصادي في كمبوديا يعتمد على عملتين وطنيتين، الولايات المتحدة الأمريكية، والريال الكمبودي. تهدف الحكومة إلى تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي من خلال تقليل الوصول إلى الأصول الرقمية المتداولة بالدولار، وهو توجه يتماشى مع نظام باكونغ للدفع الرقمي. الدافع الثالث هو تحسين صورة البلاد في مواجهة الجريمة الإلكترونية، حيث لاحظت الحكومة أن العملات الرقمية تساهم في زيادة قدرة العصابات على إجراء معاملات غير مشروعة. وقد تم تصنيف كمبوديا على أنها مركز لجريمة الإنترنت، مما أثار قلق المجتمع الدولي ودفع بالولايات المتحدة إلى فرض عقوبات. وعلى الرغم من هذه الدوافع، إلا أن هناك مشكلات كبيرة تعترض طريق حظر العملات الرقمية. فالحظر يقيد الوصول إلى المواقع الإلكترونية ولكنه لا يحظر التطبيقات المحمولة المستخدمة لهذا الغرض، مما يعني أن المستخدمين لا يزال بإمكانهم الوصول إلى المنصات العالمية من خلال الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN). علاوة على ذلك، فإن قدرة الحكومة على محاربة الجريمة الإلكترونية تتعرقل بسبب وجود منصات متاحة للمجرمين مثل Huione Guarantee، التي تواصل العمل في البلاد. ومن المثير للاهتمام أن هناك تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة تتسامح مع هذه الأنشطة بسبب الروابط المحتملة بين النخبة الحاكمة وتلك الشبكات الإجرامية. نتيجةً لذلك، يؤثر هذا الحظر بشكل غير متناسب على المستثمرين الصغار والمهاجرين الكمبوديين الذين يعتمدون على العملات الرقمية في التحويلات المالية. فبدلاً من معالجة الأسباب الجذرية لمشكلات التلاعب بالعملات المشفرة، فإن هذا الحظر يعطي انطباعًا بخطوة سطحية لا تعالج المشكلة الحقيقية. لتحقيق الأهداف التي يتطلع إليها، ينبغي على الحكومة الكمبودية التفكير في منهجية أكثر تعقيدًا وفعالية. يمكن خلق بيئة تنظيمية أكثر شمولاً من خلال إدخال منصات التبادل العالمية التي تلتزم بالقوانين المحلية. فمثلاً، يمكن الأخذ بنموذج قوانين خدمات الدفع في سنغافورة الذي يسمح لمنصات التبادل الأجنبية بالعمل بشكل قانوني بعد الحصول على ترخيص. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى توسيع مجال الرقابة الحكومية وتحقيق التوازن بين الحاجة لمكافحة الجريمة وضمان سيادة القانون. وفي سياق تعزيز الطلب على الريال الكمبودي، يمكن للسلطات العمل على تعزيز منصات التبادل المحلية كبدائل مناسبة. يمكن إبرام شراكات مع منصات محلية مثل RGX لتسهيل المعاملات المحلية، بدلاً من حظر المنصات ذات الصلة. أما بالنسبة لمشكلة الجريمة الإلكترونية، فيجب التركيز على مكافحة الفساد الذي يعرقل جهود مكافحة الجريمة. فتقرير الفساد الدولي، الذي وضع كمبوديا في المرتبة 158 من أصل 180، يشير إلى وجود جذور الفساد في المؤسسات الحكومية. لذلك، فإنه سيكون من المهم تعزيز وكالات مكافحة الفساد وتوفير الحماية اللازمة للمبلغين عن الفساد. وفي الختام، فإن حظر كمبوديا للعملات الرقمية يعكس محاولة مشروعة لكنها غير فعالة لمعالجة القضايا الاقتصادية والأمنية. بدلاً من مكافحة الظاهرة بطرق غير فعالة، قد يكون من الأجدر تبني استراتيجيات أكثر شمولًا وتعاونًا تعزز الفعالية وتحمي مصالح المواطنين. إذ إن الشعور بالأمان الاقتصادي والسماح للابتكار يعد ضروريًا لتقدم البلاد في عالم تتحكم فيه التكنولوجيا الرقمية.。
الخطوة التالية