دراسة جديدة صادرة عن هيئة سوق المال الهندية (Securities and Exchange Board of India - SEBI) كشفت عن نمط سلوك مثير للاهتمام بين مستثمري الاكتتابات العامة الأولية (IPOs). أظهرت الدراسة أن أكثر من 50٪ من هؤلاء المستثمرين يقومون ببيع أسهمهم في غضون أسبوع واحد من الإدراج في السوق. وهذا يشير إلى تغيرات كبيرة في استراتيجية الاستثمار والعوامل التي تؤثر على قراراتهم. منذ بدء الفترة من أبريل 2021 وحتى ديسمبر 2023، رصدت SEBI سلوك مستثمري الاكتتابات العامة، واستندت الدراسة إلى تحليل 144 عملية اكتتاب في السوق الهندي. تشير النتائج إلى أن 50٪ من الأسهم المخصصة للمستثمرين الأفراد تم بيعها من حيث القيمة في غضون أسبوع من الإدراج، وارتفع هذا الرقم إلى 70٪ خلال عام كامل. البيع السريع للأسهم بعد الإدراج يُعرف بمصطلح "تصفية الأرباح" (flipping)، حيث يُفضل المستثمرون بيع الأسهم التي شهدت زيادة في قيمتها، فيما يحتفظون بالأسهم التي شهدت انخفاضًا. تقول SEBI إن المستثمرين يتأثرون بشكل كبير بالعوائد؛ فإذا تجاوزت العوائد 20٪، فإن المستثمرين يبيعون 67.6٪ من الأسهم خلال الأسبوع الأول. وفي المقابل، عندما تكون العوائد سلبية، ينخفض هذا الرقم إلى 23.3٪. تظهر هذه السلوكيات تغيرًا واضحًا في اتجاهات الاستثمار، حيث يُفضل المستثمرون استغلال المكاسب السريعة بدلاً من الاحتفاظ بالأسهم لفترة طويلة. وقد أثّر التحول الرقمي وزيادة فتح حسابات الإيداع (demat accounts) خلال فترة جائحة كوفيد-19 في تيسير هذا النوع من التداول. وتٌعتبر النسبة الكبيرة لفتح حسابات الإيداع الجديدة مؤشرًا على زيادة مشاركة المستثمرين الأفراد في السوق، حيث يُفترض أن تكون الغرض منها هو الاستثمار. النقطة المثيرة في الدراسة تكمن في التعليق على "تأثير الميل نحو المكسب" (disposition effect)، وهو تفضيل المستثمرين لبيع الأسهم الرابحة مع الاحتفاظ بالخسائر. هذا السلوك قد يُعزى إلى العواطف البشرية والمشاعر المرتبطة بالربح والخسارة، مما يجعل المستثمرين يتخذون قرارات مستندة إلى تحقيق مكاسب سريعة بدلاً من التفكير الاستثماري طويل الأجل. مع تزايد عدد الاكتتابات العامة في السنوات الأخيرة، سجل أيضًا انخفاض في عدد الطلبات من قبل المستثمرين غير المؤسسات الذين يسعون للحصول على حصة كبيرة تزيد عن 1 كرور روبية. تحاليل SEBI تشير إلى أن هذا الاتجاه قد يكون مرتبطًا بالقرارات التنظيمية الجديدة التي تُعنى بتخصيص الأسهم. تسلط الدراسة الضوء أيضًا على أهمية النزاهة والشفافية في سوق الاكتتابات العامة. ففي الوقت الذي يشهد فيه السوق زيادة في أعداد الشركات الناشئة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، يُبدي أعضاء مجلس إدارة SEBI قلقهم حيال صحة الوثائق المقدمة من قبل هذه الشركات. وأكد الأعضاء ضرورة أن تكون هناك عمليات تدقيق دقيقة لضمان أن تكون الوثائق المقدمة صحيحة وصادقة، مطالبين الشركات بأن تلتزم بأعلى معايير الشفافية. تتحدث الأرقام الواردة في الدراسة عن ازدياد عدد الاكتتابات العامة للشركات الصغيرة والمتوسطة منذ عام 2012. يُظهر التوجه الحالي نموًا ملحوظًا في عدد الاكتتابات العامة، حيث زادت الاستثمارات من 495 كرور روبية في عام 2020 إلى 6096 كرور روبية في العام المالي الماضي. من المهم أن نفهم تأثير النشاط الاستثماري على السوق بشكل أعمق. يتطلب هذا التحليل دراسة فترات الركود والصعود والازدهار في السوق، وكيف يؤثر كل منها على استراتيجيات المستثمرين. تأثير المعلومات والأخبار الاقتصادية أيضًا يلعب دورًا محوريًا في قرارات البيع والشراء، حيث يستجيب المستثمرون للتقلبات في الأسعار والاستراتيجيات المبنية على المدى القصير. يمكن القول إن نتائج هذه الدراسة تشير إلى تغيير في طريقة تفكير المستثمرين، إذ يبدون اهتمامًا متزايدًا بالعوائد الفورية على حساب العوائد طويلة الأجل. هذا التحول قد يُحتم أن تتبنى الأسواق استراتيجيات جديدة لتعزيز الاستثمار على المدى الطويل، مما يحقق استقرارًا أكبر في السوق. من الواضح أن الاقتصاد العالمي يتطور، ويجلب معه تحديات وفرصًا جديدة. تحتاج المؤسسات المالية إلى تحديث استراتيجياتها والإجراءات التنظيمية لمواكبة التغيرات في سلوك المستثمرين، وتعزيز الشفافية وتشجيع الاستثمارات المستدامة. في النهاية، يقدم هذا التحليل درسًا مهمًا حول كيفية اتخاذ القرارات الاستثمارية وتأثيرات العوامل الاقتصادية والنفسية على هذه القرارات. عندما ننظر إلى التوجهات المستقبلية، فإنه يتوجب علينا فهم أن المستثمرين في سوق الاكتتابات العامة ليسوا مجرد مشاركين عابرين، بل هم جزء لا يتجزأ من النظام الاقتصادي الذي يتأثر بمجموعة من العوامل الداخلية والخارجية. لذلك، توجيه هؤلاء المستثمرين نحو استراتيجيات أكثر استدامة يمكن أن يسهم في بناء سوق مالية قوية ودعامة للاقتصاد الهندي. مع تزايد التنافس بين الشركات واختلاف متطلبات المستثمرين، سيكون من الضروري أيضًا أن تعمل الجهات التنظيمية على تحسين آليات التحليل والتقييم، مما يسهم في تعزيز ثقة المستثمرين ويعود بالنفع على السوق بشكل عام. إن فهم سلوك المستثمرين وتوجهاتهم يمكن أن يساعد في تشكيل السياسات المالية المستقبلية والتأثير على القرارات الاستثمارية بطريقة تدعم النمو الاقتصادي المستدام.。
الخطوة التالية