في خطوة تثير الكثير من الجدل، قام الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بتوقيع أمر تنفيذي يوجه الولايات المتحدة للانسحاب مرة أخرى من اتفاق باريس للمناخ. يبدو أن هذه الخطوة ليست جديدة، إذ شهدنا قرارا مشابها في عام 2017، لكن هذه المرة تأتي في سياق مختلف تمامًا مع التحديات المناخية المتزايدة. اتفاق باريس للمناخ، الذي وُقع عليه في عام 2015، يعد أحد أبرز المعاهدات العالمية التي تهدف إلى مكافحة تغيّر المناخ. يرتكز الاتفاق على الالتزام بتخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة، وهي المسؤولة عن الاحترار العالمي. وقد أيدته معظم الدول الكبرى، إلا أن ترامب كان له موقف مغاير، حيث شنّ هجومًا واسعًا على تلك السياسات، معتبرا إياها عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد الأمريكي. تعود أهمية هذا الأمر التنفيذي إلى تأثيره ليس فقط على السياسات المحلية، ولكن أيضًا على الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي. انسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق يعني تخليها عن الالتزام بتعهداتها البيئية، مما يشكل ضربة قوية للجهود العالمية الرامية للحفاظ على البيئة. من خلال هذا الانسحاب، يعكس ترامب رؤيته التي كانت تهدف إلى تعزيز الصناعات التقليدية مثل الفحم والنفط، والتي تعتبر من مصادر الطاقة الأحفورية المسببة لانبعاثات الكربون. يرى ترامب ومن يتبعه أن حماية الوظائف في هذه الصناعات تمثل أولوية أكثر أهمية من القضايا البيئية، على الرغم من الدلائل المتزايدة التي تشير إلى الخطر الداهم الذي يشكله التغير المناخي على الكوكب. وادعى العديد من الخبراء أن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس قد يفتح الباب أمام دول أخرى لتقليل التزاماتها البيئية. فعندما تتخلى أكبر مصدر للانبعاثات في العالم عن التزامها، يمكن أن تتبعها دول أخرى، مما يزيد من تفاقم الأزمة المناخية. على الرغم من أن ترامب لم يعد في الحكم، إلا أن تأثير سياسته المناخية لا يزال محسوسًا. إذ أن الخطوات التي اتخذها مع إدارته قد تمثل تحولاً جذرياً في كيفية تناول الولايات المتحدة لقضايا المناخ. وفي الوقت نفسه، استجاب المجتمع الدولي لهذا الأمر بمزيد من التحذيرات والمناشدات للعودة إلى الالتزامات البيئية. لنتناول تداعيات هذا القرار من زوايا عدة: الاقتصادية، البيئية والدولية. في الشأن الاقتصادي، يرى بعض المحللين أن التخلي عن الاتفاق قد يسهل على الشركات الأمريكية العمل بحرية أكبر، لكن في الحقيقة يمكن أن يؤدي هذا إلى نتائج عكسية على المدى الطويل، بما أن التكاليف الاقتصادية لتغير المناخ قد تكون أكثر من الفوائد قصيرة الأجل التي قد تجنيها تلك الشركات. على الجانب البيئي، يعد هذا الانسحاب بمثابة تحدٍ للجهود المبذولة للحد من الاحتباس الحراري. فالدرجات الحرارية على الأرض في ارتفاع مستمر، والأحداث المناخية المتطرفة أصبحت أكثر تواتراً، مما يشير إلى أن الوقت قد يكون قد فات للعودة. من هنا، تشير التقارير العلمية إلى ضرورة اتخاذ خطوات سريعة وجريئة للحد من الانبعاثات. أمّا على الصعيد الدولي، فإن انسحاب الولايات المتحدة يجد ردود فعل متباينة بين الدول. هناك دول من جهة تحذر من تداعيات القرار على العلاقات الدولية، بينما تعتبر أخرى أن هذا القرار لا يجب أن يثنيها عن استكمال جهودها في مكافحة التغير المناخي، بل قد يدفعها للاستثمار بشكل أكبر في مصادر الطاقة المتجددة. كما تجدر الإشارة إلى أن إعادة الانضمام إلى اتفاق باريس قد لا تكون بهذه السهولة. إذ يتطلب ذلك بصمة استثمارية وسياسية جديدة، بالإضافة إلى القدرة على إقناع الدول الأخرى بأن الولايات المتحدة مستعدة للامتثال والتعاون في القضايا البيئية. في الختام، يبدو أن قرار ترامب بالانسحاب من اتفاق باريس للمناخ يشكل علامة فارقة في التاريخ البيئي للولايات المتحدة. إن تداعيات هذا القرار ستنعكس في المستقبل على شكل سياسة المناخ في الولايات المتحدة وأيضا في الشؤون الدولية بشكل عام. فبينما تسعى الأمم لمواجهة التحديات البيئية، يتطلب الأمر من جميع الدول التكاتف والعمل سوياً من أجل تحقيق أهداف مشتركة. إن العالم يحتاج إلى قادة يتسابقون للحد من المخاطر المناخية بدلاً من ترك الأمور تتدهور، لذا يبقى الأمل معلقًا على صانعي القرار في مختلف الدول لإعادة النظر في أولوياتهم والتزامهم بحماية كوكبنا.。
الخطوة التالية