في خطوة مثيرة للجدل، قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتوقيع أمر تنفيذي يوجه من خلاله الولايات المتحدة للانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، وذلك مرة أخرى بعد أن أعلن عن ذلك في المرة الأولى في يونيو 2017. أثار هذا القرار ردود فعل متباينة على الساحة السياسية والبيئية، حيث يُعتبر انسحاب أكبر مصدر لثنائي أكسيد الكربون في العالم من الاتفاقية خطوة غير مسبوقة في الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ. تأسست اتفاقية باريس في عام 2015 خلال المؤتمر الـ21 للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP21) في باريس، بهدف تجميع الجهود الدولية للحد من الاحتباس الحراري. التزمت الدول الموقعة بتقليص انبعاثات الغازات الدفيئة للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى أقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة، والمضي قدمًا لتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية. تأتي خطوة ترامب في وقت حساس، حيث تزداد المخاوف المتعلقة بتغير المناخ. وصلت حرائق الغابات إلى مستويات غير مسبوقة، وازدادت حالات الطقس القاسي، مما يستدعي تحركات عاجلة من الحكومات في مختلف أنحاء العالم. لكن ترامب دائماً ما يضع مصالح الاقتصاد الأمريكي في مقدمة أولوياته، مع التأكيد على أن اتفاقية باريس غير منصفة للولايات المتحدة وتهدد صناعة الطاقة بالجملة في البلاد. من المعروف أن ترامب قد صرح بأن الاتفاقية تُخضع الولايات المتحدة لالتزامات غير عادلة، مما يهدد الوظائف في قطاع الطاقة، خاصة في صناعة الفحم والنفط. في السنوات التي تلت دخوله إلى البيت الأبيض، شهدت الولايات المتحدة طفرة في إنتاج الطاقة الأحفورية، وهو ما يتعارض بشكل كبير مع أهداف اتفاقية باريس. يُظهر تطبيق سياسة ترامب في معالجة تغير المناخ التركيز على الاستقلال الطاقي، مما يزيد من قدرة الولايات المتحدة على إنتاج الطاقة بشكل أقل تكلفة مقارنة بالدول الأخرى. ومع ذلك، ينتقد منتقدو هذا النهج بسبب فقدان الفرص القيمة في التحول نحو الطاقة المتجددة، والتي تعد قضية محورية في الحروب الاقتصادية القادمة. الهجوم على الاتفاقية يأتي في وقت يشهد فيه العالم تحولات قوية نحو الطاقة النظيفة. العديد من الدول الأوروبية والصين تتجه نحو التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، مما يجعل التخلي عن اتفاقية باريس بمثابة خطوة إلى الوراء بالنسبة للولايات المتحدة. يُخشى أيضًا أن يؤثر هذا القرار على الجهود المشتركة لمكافحة تغير المناخ، حيث يتطلب الوضع العالمي الحالي العمل الجماعي والتعاون بين الدول. بالإضافة إلى ذلك، يمثل الانسحاب من اتفاقية باريس زعزعة للثقة في القيادة الأمريكية على الساحة العالمية. قد يؤدي ذلك إلى تداعيات على التحالفات الدولية والاتفاقات الأخرى المتعلقة بالتغير المناخي. هناك من يخشى أن تسهم سياسة ترامب في تآكل القيم البيئية العالمية، مما يشجع الدول الأخرى على اتخاذ مواقف مماثلة وغير مسؤولة بشأن مسؤولياتهم تجاه المناخ. تاريخياً، شهدت الولايات المتحدة فترات من اللامبالاة تجاه البيئية، بينما كانت الدول الأوروبية منذ زمن بعيد تدفع نحو التشريعات والممارسات الواعية بيئيًا. مع انسحاب الولايات المتحدة، يتبقى على بقية الدول أن تعمل بجد أكثر لتحمل زمام المبادرة في مكافحة التغير المناخي، لكن هذا لن يكون كافياً دون مشاركة فعالة من الولايات المتحدة. هناك العديد من التحذيرات من العلماء والبيئيين حول العواقب المترتبة على الانسحاب الأمريكي. تشير الدراسات إلى أن الانسحاب قد يزيد من انبعاثات الغازات الدفيئة، مما سيؤدي إلى تسريع آثار تغير المناخ التي تؤثر حاليًا على كوكبنا بمشاكل مثل ارتفاع مستويات البحار، وزيادة درجات الحرارة، وزيادة تُحدث في الكوارث الطبيعية. علاوة على ذلك، يطرح البعض تساؤلات حول كيفية تأثير هذا القرار على المواطن العادي، حيث أن تأثيرات تغير المناخ لا تميز بين دولة وأخرى. مع استمرار صراع المجتمع الدولي لمواجهة التحديات البيئية، سيكون من المؤسف أن تُعتبر الولايات المتحدة غائبة عن الركب. ختاماً، إن قرار ترامب الأخير بالانسحاب من اتفاقية باريس يعكس قضايا أعمق تتعلق بالقيادة الأمريكية على الساحة الدولية، وأهمية العمل الجماعي للتصدي لتغير المناخ. قد يكون الأمر التنفيذي عبارة عن وضع المزيد من العراقيل أمام اتفاقيات المناخ العالمية، لكن الدروس المستفادة من الأزمات البيئية الحالية تنبئ بحتمية التعاون الدولي. على الرغم من الانسحاب، تبقى القضية البيئية في صميم الجدل السياسي الأمريكي، مما يتيح الفرصة لمجتمع المدافعين عن البيئة لإعادة التأكيد على الحاجة إلى اتخاذ إجراءات قوية من أجل مستقبل كوكب الأرض.。
الخطوة التالية