في عصر التكنولوجيا الحديثة، أصبحت البيانات واحدة من أهم الأصول التي يتداولها الأفراد والشركات على حد سواء. ومع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، ظهرت مشكلة كبيرة تتعلق بكيفية تخزين واستخدام هذه البيانات. في العقود الأخيرة، أظهرت العديد من التقارير والأبحاث أن بيانات المستخدمين أصبحت محصورة في قواعد بيانات مركزية، تُعرف باسم "صوامع البيانات". هذه الصوامع لا تؤثر فقط على الخصوصية، بل يمكن أن تكون وسيلة للاستغلال والتلاعب بالبيانات من قِبَل الشركات الكبرى. لكن مع ظهور تقنية البلوكشين والتطور المستمر نحو الويب 3، يتعهد العالم بإعادة الخصوصية إلى الأفراد. تعتبر البلوكشين تقنية ثورية تهدف إلى تيسير المعاملات بطريقة آمنة وشفافة، مما يوفر للمستخدمين القدرة على التحكم في بياناتهم بشكل أفضل. يمكن تعريف "الويب 3" بأنه الجيل الثالث من الإنترنت، حيث يركز على اللامركزية وتوزيع السلطة. من خلال استغلال قدرات البلوكشين، يمكن للمستخدمين إدارة بياناتهم بطريقة تمنع أي جهة واحدة من جمع وتحليل تلك البيانات بشكل غير قانوني. وهذا يشكل تحولًا كبيرًا عن الوضع الحالي الذي يعاني فيه الكثير من الناس من انعدام الخصوصية. تتيح تقنية البلوكشين إنشاء "عقود ذكية" تسمح للمستخدمين بتحديد كيفية استخدام بياناتهم من قِبَل الآخرين. على سبيل المثال، بدلاً من أن تكون بياناتك محصورة في قاعدة بيانات مركزية تُديرها شركة، يمكن تخزين تلك البيانات بشكل موزع تمامًا، بحيث تكون تحت سيطرتك تمامًا. يمكنك اختيار ما إذا كنت تريد مشاركة بياناتك، ومع من، وفي أي سياق. إضافةً إلى ذلك، تتيح البلوكشين للمستخدمين التعامل مباشرةً مع التطبيقات والخدمات. وهذا يعني أنهم لست بحاجة إلى المرور عبر وسطاء غالبًا ما يتلاعبون بالبيانات أو يتقاضون رسومًا عالية. تضمن هذه اللامركزية أن الأفراد يمكنهم الانخراط بحرية في الاقتصاد الرقمي دون القلق بشأن من يتعرض لبياناتهم أو كيفية استخدامها. تعتبر الخصوصية في عالم الذكاء الاصطناعي أمرًا في غاية الأهمية. تحول المزيد من الشركات نحو الذكاء الاصطناعي لجمع البيانات وتحليلها لتقديم خدمات أفضل. لكن استخدام البيانات الشخصية بشكل عشوائي يمكن أن يؤدي إلى انتهاكات واضحة للخصوصية. فقد أظهرت كثير من الدراسات أن استخدام الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى اختبار دقيق لعدم التحيز وضمان الشفافية في اتخاذ القرارات. من خلال دمج التكنولوجيا المتقدمة مثل البلوكشين في عمليات الذكاء الاصطناعي، يمكن إنشاء أنظمة أكثر موثوقية وأماناً. يمكن أن تضمن البلوكشين توفير شفافية كاملة حول كيفية جمع البيانات واستخدامها، بما يتماشى مع المعايير الأخلاقية والقانونية. مع تزايد المخاوف بشأن انتهاكات الخصوصية، يمكن أن تقدم الحلول المستندة إلى البلوكشين بديلاً موثوقًا وفريدًا. من ناحية أخرى، يواجه عالم البلوكشين العديد من التحديات. فعلى الرغم من أن هذه التقنية تعزز الخصوصية وتمكّن الأفراد، إلا أنها لا تزال جديدة نسبيًا، وتعاني من مشكلات تتعلق بالأمان وسرعة المعاملات. هناك حاجة ماسة إلى تطوير بنية تحتية قوية لدعم هذه التقنية وضمان استجابة أنظمتها لمتطلبات السوق المتزايدة. تحاول الشركات الناشئة التي تعتمد على البلوكشين تقديم حلول مبتكرة تتخطى هذه التحديات. من خلال تطوير منصات جديدة تعتمد على هذه التقنية، هناك فرصة لبناء بيئة رقمية أكثر أمانًا وخصوصية. يتيح ذلك للمستخدمين الفخر ببياناتهم، حيث يمكنهم التحكم فيها ومشاركتها بشكل آمن وشفاف. في نهاية المطاف، ومع تزايد المخاوف بشأن الخصوصية في زمن الذكاء الاصطناعي، يبدو أن البلوكشين تمثل الأمل في إعادة الثقة بين الأفراد والشركات. على الرغم من التحديات الراهنة، فإن اعتماد تقنية البلوكشين كأداة للويب 3 يمكن أن يفتح أبوابًا جديدة نحو مستقبل أكثر أمانًا وخصوصية. إن التواصل الرقمي في العصر الحديث يتطلب منا جميعًا التفكير مليًا في كيفية إدارته واستخدام البيانات. وبدلاً من التوجه نحو جمع البيانات في صوامع مغلقة، يجب أن تكون الفلسفة الجديدة قائمة على ضرورة انسيابية البيانات بشكل آمن ومحمي، وهذا بالضبط ما تقدمه لنا تقنية البلوكشين. سواء في قطاع الصحة أو الخدمات المالية أو حتى التربية والتعليم، فإن تطبيق مبادئ اللامركزية والشفافية قد يحدث فرقًا حقيقيًا في كيفية تعاملنا مع المعلومات. لذا، فإن الوقت قد حان لنبدأ في الحديث عن كيفية استخدام الابتكارات التكنولوجية بشكل يحقق الاستقلالية والخصوصية. فمع استمرار تطور البلوكشين والويب 3، نكون أمام فرصة حقيقية لإعادة تصميم كيفية إدارة المعلومات الشخصية في عصر الذكاء الاصطناعي، وبناء عالم يمثل فيه الأفراد التحكّم الكامل فيما يتعلق ببياناتهم. إن جهودنا في هذا السياق لن تكون فقط لصالح الأفراد، بل ستفوز بها المجتمعات أيضًا.。
الخطوة التالية