في السنوات الأخيرة، أصبحت العملات الرقمية جزءًا لا يتجزأ من المشهد المالي العالمي. ومع ذلك، ظهرت تحديات جديدة في هذا المجال، من بينها مخاطر الاحتيال ومن أبرزها نظام بونزي Ponzi scheme، وهو نموذج احتيالي يعد بمعدلات عائد مرتفعة بشكل غير واقعي ليجذب المستثمرين الجدد. ومع زيادة استخدام شبكة الإيثيريوم، أصبحت الحاجة إلى إيجاد طرق فعالة لرصد هذه الأنواع من الاحتيال أكثر إلحاحًا. تأسست شبكة الإيثيريوم في عام 2015، وهي منصة مفتوحة المصدر تسهل إنشاء عقود ذكية وتطبيقات لامركزية. على الرغم من فوائدها الكثيرة، إلا أن طبيعتها اللامركزية جعلت منها بيئة خصبة لظهور أنظمة الاحتيال، بما في ذلك أنظمة بونزي. الحكومة والهيئات التنظيمية تتماشى مع هذا الاتجاه، ولكنها تواجه صعوبات في رصد الأنشطة الاحتيالية بسرعة وكفاءة. ومع تزايد الضغوط لرصد أنظمة الاحتيال وتقديم الحماية للمستثمرين، بدأ الباحثون والأساتذة في مجال التكنولوجيا المالية في استكشاف كيفية استخدام تقنيات التعلم الآلي لتطوير نماذج قادرة على الكشف عن الأنشطة المشبوهة في شبكة الإيثيريوم. تعتمد أنظمة بونزي على تقديم عوائد استثمارية للمستثمرين الجدد باستخدام الأموال التي يدفعها المستثمرون الجدد، بدلاً من اعتمادهم على الأرباح الناتجة عن الأنشطة التجارية. وهذا يجعل من اليسير اكتشاف الأنماط المميزة في حركة الأموال داخل الشبكة. لذلك، باستخدام خوارزميات التعلم الآلي، يمكن تحليل البيانات الكبيرة المتاحة على شبكة الإيثيريوم لاكتشاف مثل هذه الأنماط. تتمثل العملية الأولى في جمع البيانات. يمكن أن تتضمن البيانات جميع المعاملات المالية التي تمت على شبكة الإيثيريوم، بما في ذلك توقيت ومبلغ المعاملات، وأيضًا المعلومات حول المحفظات المستخدمة. بالإضافة إلى ذلك، قد تشمل البيانات معلومات حول العقود الذكية المرتبطة، والتي يمكن أن تساعد في تحديد الخصائص المرتبطة بنظام بونزي. بعد جمع البيانات، يتم تطبيق تقنيات التعلم الآلي مثل الشبكات العصبية والتعلم العميق. هذا النوع من التعلم يقوم بتدريب النماذج للتعرف على الأنماط غير الطبيعية في البيانات. على سبيل المثال، يمكن للنموذج أن يتعلم كيفية تمييز المحفظات التي تقوم بإجراء تحويلات متكررة وبمبالغ كبيرة، وهي إشارة عادةً ما تظهر في أنظمة بونزي. أحد الأمثلة البارزة على استخدام التعلم الآلي في اكتشاف أنظمة بونزي هو مشروع قامت به مجموعة من الباحثين باستخدام شبكة الإيثيريوم. قاموا بتطبيق خوارزمية تعلم عميق لتحليل بيانات المعاملات وسرعان ما تمكّنوا من رصد أنظمة احتيالية كانت تخفي تحت واجهة مشروعة. وقد جاء نجاح هذا المشروع بعد تتبع المعاملات الخاصة بهذه الأنظمة وتحليل سلوكها. على الرغم من أن استخدام التعلم الآلي في كشف الأنظمة الاحتيالية يعد خطوة كبيرة إلى الأمام، إلا أن هناك تحديات تدعو للتفكير. فالاتجاهات الجديدة والابتكارات في عالم العملات الرقمية يُمكن أن تُغير أنماط السلوك الاحتيالية. لذلك، يجب أن تبقى نماذج التعلم الآلي محدثة لتتلاءم مع هذه التغييرات. علاوة على ذلك، هناك جانب أخلاقي يتعين الموازنة فيه. فبينما يسهم استخدام التعلم الآلي في مكافحة الاحتيال، يجب أيضًا أن يتم مراعاة الخصوصية وحماية البيانات للمستخدمين. إن معالجة البيانات المالية الحساسة تتطلب أساليب قوية لضمان عدم تعرض أي معلومات شخصية للخطر. يتطلب النجاح في مجال كشف الاحتيال على شبكة الإيثيريوم التعاون بين الباحثين والشركات الخاصة والهيئات التنظيمية. وعلى الرغم من أن العلماء في مجال التكنولوجيا المالية قد حققوا تقدمًا كبيرًا، إلا أنهم يحتاجون إلى مناقشة مستمرة مع الجهات التنظيمية لضمان فعالية ودقة أدوات الذكاء الاصطناعي في هذا المجال. إن الكشف عن أنظمة بونزي باستخدام تقنيات التعلم الآلي يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز الأمان في عالم العملات الرقمية. من الواضح أن التكنولوجيا الحديثة يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في الحد من مخاطر الاحتيال وحماية المستثمرين. ومع استمرار التطور التكنولوجي، يبقى الأمل أن يتمكن المستخدمون من الاستفادة من عالم العملات الرقمية بأمان وثقة. في النهاية، يجسد استخدام التعلم الآلي في الكشف عن أنظمة بونزي على الإيثيريوم مثالًا حيًا على كيفية استخدام التقنية الحديثة لمواجهة التحديات المعاصرة. وبالرغم من المخاطر المرتبطة بالعملات الرقمية، فإن الإدراك المتزايد لهذه المخاطر واستخدام الأدوات الفعالة لرصد الأنشطة المشبوهة يمكن أن يسهم في بناء بيئة استثمارية أكثر أمانًا. إن استمرارية الجهود البحثية والتعاون بين الفاعلين في هذا المجال سيقود إلى مستقبل أكثر أمانًا وموثوقية للمستثمرين في عالم الإيثيريوم.。
الخطوة التالية