كيف يمكن أن نصنف عملة البيتكوين من منظور بيئي؟ تعتبر هذه المسألة إحدى القضايا الأكثر جدلاً في عالم العملات الرقمية. فبينما تزداد شعبية البيتكوين وتوسّع نطاق استخدامها كأسلوب استثماري وتبادل مالي، تبرز تساؤلات عديدة حول التأثير البيئي لعملية تعدين هذه العملة. تعتبر عملية تعدين البيتكوين عملية معقدة تعتمد على الحوسبة العملاقة، حيث يتنافس المعدنون لحل الألغاز التشفيرية المعقدة لجعل معاملاتهم سريعة وآمنة. ولكن ما يغفله الكثيرون هو أن هذه العمليات تستهلك كميات هائلة من الطاقة، مما يثير القلق بشأن بصمة البيتكوين الكربونية وتأثيرها على تغير المناخ. تشير التقارير إلى أن تعدين البيتكوين يستهلك طاقة تفوق استهلاك بعض الدول. وفي عام 2021، قُدرت الطاقة التي تستهلكها شبكة البيتكوين بحوالي 156 تيروات/ساعة سنويًا، ما يُعادل استهلاك دولة متوسطة الحجم. وتأتي معظم هذه الطاقة من مصادر غير متجددة، مثل الفحم والغاز الطبيعي، مما يساهم في انبعاثات غازات الدفيئة. في هذا السياق، يجري العديد من الباحثين والمحللين مقارنة تأثير البيتكوين على البيئة ببعض الأنشطة الاقتصادية الأخرى. وقد وجدت دراسة أجراها مكتب LSE، أن تأثير البيتكوين على البيئة يتجاوز في بعض الجوانب صناعة الذهب. ففي حين أن تعدين الذهب يتطلب كميات كبيرة من المياه والمواد الكيميائية السامة، فإن تأثير البيتكوين يأتي بشكل رئيسي من استهلاك الكهرباء. مع تزايد الوعي بالتغير المناخي والضغط لتحقيق الاستدامة، بدأت بعض المنظمات والحكومات في اتخاذ إجراءات لضمان أن تعمل منصات العملات الرقمية بطريقة أكثر صديقة للبيئة. واحدة من هذه المبادرات تتمثل في التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح لتغطية احتياجات تعدين البيتكوين. إذ يمكن لعملية التعدين أن تستفيد بشكل كبير من تكنولوجيا الطاقة النظيفة، وذلك ليس فقط لتقليل انبعاثات الكربون، بل أيضاً لتقليل تكلفة الطاقة على المدى الطويل. يشار إلى أن بعض الشركات الناشئة بدأت بالفعل في استخدام الطاقة المتجددة في عمليات التعدين الخاصة بهم. على سبيل المثال، بدأ عدد من شركات التشفير في استخدام المنشآت الشمسية كوسيلة لتوفير الطاقة النظيفة. هذه الجهود قد تُحدث تحوّلاً كبيرًا في كيفية تقييمنا لتأثير البيتكوين على البيئة. ومع استمرار زيادة الضغط على المعدنين لتبني ممارسات أكثر استدامة، يمكن أن تنشأ توجهات جديدة مثل استثمارات أكثر في الابتكارات التكنولوجية التي تتيح تحسين كفاءة الطاقة. ومن بين هذه الابتكارات يمكن أن نرى طرقًا لتقليل استهلاك الطاقة المرتبط بعمليات التعدين، مثل تحسين تصميم الأجهزة والبرمجيات المستخدمة في التعدين، واستخدام أجهزة أكثر كفاءة. لكن رحلة البيتكوين نحو الاستدامة البيئة لا تزال تواجه العديد من التحديات. فالبنية التحتية اللازمة للتعدين لا تزال تعتمد بدرجة كبيرة على مصادر الطاقة التقليدية في العديد من المناطق حول العالم. وعندما يتعلق الأمر بالتنظيم، فإن تطبيق القوانين البيئية في مجالات العملات الرقمية لا يزال غير متناسق. نجد أيضاً أن هناك رغبة متزايدة من قبل المستثمرين والمستهلكين للانخراط مع الشركات التي تُظهر التزامًا قويًا بالاستدامة. إذ تشير الأبحاث إلى أن المديرين التنفيذيين والمستثمرين اليوم يفضلون العمل مع المؤسسات التي تتبنى ممارسات صديقة للبيئة وبعيدة عن التلوث. ولذلك، يجب على شركات العملات الرقمية أن تتفاعل مع هذه الاتجاهات لضمان الجذب المستدام للعملاء والمستثمرين. ومع ذلك، يبقى التساؤل الأهم: كيف يمكننا قياس "خضرة" البيتكوين فعليًا؟ لا توجد معايير عالمية موحدة لتحديد ما إذا كانت عملية التعدين تتسم بالاستدامة أم لا، مما يجعل من الصعب على المستهلكين اتخاذ قرارات مستنيرة. وبالرغم من ذلك، يمكن تطوير أدوات قياس جديدة وآليات لرصد التأثير البيئي للعملات الرقمية بشكل أكثر دقة، مما يسمح بتوفير بيانات موثوقة للمستثمرين والمستخدمين. في الختام، يمكن القول إن البيتكوين، مثل الكثير من الابتكارات الحديثة، تواجه تحديات بيئية هامة. ومع ذلك، هناك فرص واعدة لتحسين استدامتها. يعتمد المستقبل الأخضر للعملات الرقمية على التحولات التكنولوجية والاستثمار في الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى دعم المجتمعات والحكومات لهذه التحولات. إن قاعدة المستهلكين والمستثمرين الذين يعتنون بالاستدامة من المتوقع أن تكبر في السنوات المقبلة، مما قد يدفع المزيد من الشركات للابتكار وإيجاد حلول بيئية تكنولوجية جديدة. بينما يتطلب الأمر مزيدًا من الوقت والجهد لتقييم الأبعاد البيئية للبيتكوين بشكل كامل، إلا أنه من المهم علينا أن نكون يقظين ونطالب بتغييرات إيجابية تحقق التوازن بين الابتكار والتنمية المستدامة.。
الخطوة التالية