في أواخر عام 2023، أصبح العالم يراقب باهتمام كيف أن صناعة العملات الرقمية والبلوكشين تواجه تحديات جديدة في الولايات المتحدة. قام بول جريوال، كبير المسؤولين القانونيين في منصة كوينباس، بالكشف عن رسائل بعثت بها الجهات التنظيمية الأمريكية للبنوك، تضغط عليها لعدم تقديم خدماتها للشركات العاملة في مجال العملات الرقمية. هذه العملية تثير العديد من الأسئلة حول كيفية تحكم السلطات في القطاع المالي ومدى تأثير ذلك على الابتكار والنمو بشكل عام. إن الضغوطات التي تمارسها الجهات التنظيمية لا تقتصر فقط على منع البنوك من تقديم الخدمات، بل تمتد إلى تصوير عملات رقمية كأنها تهديد للأمن المالي. يبدو أن هذا الاتجاه يهدف إلى منع البنوك من التعامل مع أي جهة تعمل في مجال العملات الرقمية، مما يولد حالة من عدم اليقين في السوق. من المعروف أن العملات الرقمية وتكنولوجيا البلوكشين تمثل واحدة من أكثر المجالات ابتكارًا في الوقت الراهن، وتمكن من تعبئة مليارات الدولارات من الاستثمارات. ومع ذلك، فإن قلة الدعم من البنوك يمكن أن تؤدي إلى تعثر هذه المؤسسات الناشئة، مما يساهم في فقدان فرص خلق وظائف جديدة ونمو الاقتصاد. كانت الرسائل التي تم تسريبها من قبل بول جريوال تظهر بوضوح نية المنظمين الأمريكيين للتقليل من المخاطر المحتملة للعملات الرقمية دون تقديم بدائل فعالة أو تنظيم واضح لهذا القطاع. ويقول جريوال إن هذه الضغوطات ليست مريحة فقط، بل إنها تعكس موقفًا غير منطقي تجاه الابتكار. في الوقت الذي ترى فيه دولًا أخرى مثل سنغافورة وسويسرا تقدم بيئات تنظيمية متنوعة لدعم عمليات العملات الرقمية، فإن الولايات المتحدة تبدو مترددة في إدراك الإمكانيات الكامنة التي تقدمها هذه التقنية. رسائل المنظمين الأمريكية للأسف تروج لفكرة مؤلمة للغاية، وهي تفكيك الانفتاح الذي يمكن أن تعززه العملات الرقمية. بالإضافة إلى ذلك، كتب جريوال في مدونته، محذرًا من أن هذه الضغوط قد تؤدي إلى تآكل الثقة في النظام المالي بأسره. حالة عدم اليقين هذه ستدفع الكثير من الشركات للعمل في الظل أو الانتقال إلى البلدان ذات السياسات الأكثر ودية. كما أشار إلى أن المستثمرين سيتجهون نحو الأسواق الأخرى التي تضمن لهم بيئة أكثر استقرارًا وودية. يعد تجنب البنوك للتعامل مع المؤسسات الرقمية ضربة قاسية، حيث تعتمد غالبية شركات العملات الرقمية على هذه البنوك لتحويل الأموال وإجراء العمليات المالية الأساسية. ستؤدي هذه الخطوة إلى قيام الشركات بالبحث عن بدائل أخرى أكثر جرأة، سواء من خلال العمل مع البنوك الأجنبية أو تطوير حلول مالية خاصة. علاوة على ذلك، تتطور تفاصيل جديدة حول كيف أن بعض البنوك بصورة غير رسمية بدأت في فرض قيود على فتح حسابات للشركات التي تقدم خدمات تتعلق بالعملات الرقمية. هذه العوائق تجعل من الصعب على العديد من الشركات الناشئة أن تجد مكانًا للعمل في نظام مالي قانوني. وبينما تسلط الاتجاهات الحالية للمنظمين الضوء على أهمية الرقابة، فإنه من الضروري أن يتم القيام بهذا الرقابة بطريقة تعكس الفهم الحقيق لتكنولوجيا البلوكشين والعملات الرقمية. إن التعامل مع الموضوع بشكل متوازن يمكن أن يساعد السلطات في التخطيط لمستقبل المال، بدلاً من تركه فريسة لقوى السوق بطريقة عشوائية. في النهاية، يجب على الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة أن تستمع إلى صوت الصناعة وفهم الأسس التي تقوم عليها العملات الرقمية. إن تعزيز الابتكار يجب أن يكون على رأس أولويات السياسة المالية، بدلاً من فرض قيود غير ضرورية. استمرار عزوف البنوك عن دعم الشركات الرقمية يمكن أن يعني فقداناً فادحاً للفرص. على السلطات أن تتخذ خطوة نحو التفاهم والابتكار بدلاً مِن استخدام الضغط كوسيلة للتحكم. خلاصة القول، إن المستودع الحقيقي للابتكار يكمن في القدرة على تحقيق توازن بين المراقبة والحرية، والجدل الذي أثاره بول جريوال هو مثال حي على ذلك. هناك حاجة ماسة إلى توسيع الحوار بين المنظمين وصناعة العملات الرقمية لتحديد كيفية التعامل مع هذا المجال المتطور بأمان وفعالية. لا يمكن أن تستمر الضغوطات الحالية دون أن تترك آثارًا سلبية على نمو الابتكار والاقتصاد الرقمي في الولايات المتحدة.。
الخطوة التالية