في عالم وسائل التواصل الاجتماعي المتغير بسرعة، برزت منصتان جديدتان للجذب: "سترافا" (Strava) و"ليتربوكسد" (Letterboxd). مع تزايد القلق بشأن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية وسلوك المستخدمين، بدأت هذه المنصات في الارتفاع كوجهات بديلة لملايين الأفراد الذين يبحثون عن ملاذ اجتماعي يتسم بكثير من الخصوصية والمحتوى الموجه بدقة. تأسست سترافا في عام 2009، وهي منصة تركز على عشاق الرياضة، حيث توفر لهم وسيلة لمشاركة إنجازاتهم الرياضية، مسارات الجري، وركوب الدراجات، ومشاهدة التقدم على مر الزمن. تمثل سترافا مكانًا يجتمع فيه الرياضيون لمشاركة تجاربهم، ولإلهام بعضهم البعض، بعيدًا عن الضغوط الاجتماعية التي قد تفرزها منصات مثل فيسبوك وإنستغرام. ومع تزايد الوعي بفوائد النشاط البدني وتأثيره الإيجابي على الصحة النفسية، أصبحت سترافا تحوز على شعبية متزايدة بين المستخدمين الذين يبحثون عن مجتمع يدعمهم في تحقيق أهدافهم الشخصية. من جانب آخر، تعتبر ليتربوكسد منصة مثيرة للاهتمام لعشاق السينما. تأسست في عام 2011 وتدور حول مشاركة تقييمات الأفلام، قوائم المشاهدة، والمراجعات. تتيح للمستخدمين تسجيل ما شاهدوه والكلمات التي تودعها حول ذلك، مما يمنحهم فرصة للتواصل مع الآخرين الذين يشاركونهم نفس الشغف. وفي عالم يزداد فيه الإنتاج السينمائي، تشهد ليتربوكسد نموًا كبيرًا كوجهة لمراجعة الأفلام وتبادل الآراء، وهذا يعكس أيضًا تحولًا في سلوك المستخدمين نحو البحث عن تجارب أكثر عمقًا في الاستمتاع بالفن السابع. يعود سبب الارتفاع في شعبية كل من سترافا وليتربوكسد إلى عدة عوامل. أولاً، تزايد الإحباط من التصوير المثالي للحياة الذي تقدمه منصات التواصل الاجتماعي التقليدية، وصلحها الذي قد يبدو غير واقعي للكثير من المستخدمين. كثير من الأفراد يرغبون في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة تعكس تجاربهم الحقيقية، سواء في الرياضة أو في مشاهدة الأفلام. وتقوم المنصات الجديدة بتوفير ذلك، حيث يمكنهم التعبير عن أنفسهم بصورة طبيعية دون الحاجة للقلق بشأن "الجرامات" المثالية. علاوة على ذلك، توفر هذه المنصات ميزة التركيز على مجالات معينة. فقد أظهرت الدراسات أن الأشخاص يميلون إلى الانجذاب إلى المجتمعات التي تشاركهم اهتماماتهم. وبفضل العوامل التخصصية لهذه المنصات، يجد المستخدمون أن لديهم فرصة أكبر للتواصل مع أشخاص يشاركونهم اهتماماتهم وهواياتهم، مما يشجع التواصل الأعمق والأكثر صدقًا. ومع ذلك، لا يعني ذلك أن سترافا وليتربوكسد خاليتان من التحديات. تخشى العديد من هذه المنصات من أن تسير نحو مسار وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، حيث يمكن أن تتحول إلى أماكن مملوءة بالتسويق والمحتوى المدفوع، ويمكن أن يفقد كلاهما طابعهما الأصلي. لذا، نجد أن القائمين على تلك المنصات يبذلون جهودًا كبيرة للحفاظ على بيئة آمنة وهادئة بعيدًا عن الضغوطات التجارية. كما أن هناك عناصر خصوصية تدفع المستخدمين لاختيار تلك المنصات بدلاً من المنصات الأخرى. على سبيل المثال، استطاعت سترافا أن تحافظ على بيئة خالية من التفاعلات السلبية التي تطغى على منصات الإعلام الاجتماعي التقليدية. لا يحتوي التطبيق على تحميلات للصور العائلية أو المنشورات الشخصية، بل يركز على الممارسات الرياضية والنجاحات، مما يتيح للأفراد التعبير عن أنفسهم في إطار غير تنافسي. وفي الوقت نفسه، تميزت ليتربوكسد بكونها منصة موجهة بالكامل للعشاق السينمائيين. فبدلًا من محاولة التنافس مع منصات عامة مثل إنستغرام وتيك توك، تركز ليتربوكسد على توفير محتوى سينمائي مخصص، مما يخلق نوعًا من الانتماء بين المستخدمين الذين يجمعهم شغف الأفلام. بالتأكيد، لا يمكن تجاهل تأثير جائحة كوفيد-19 على تزايد شعبية هاتين المنصتين. خلال فترات الإغلاق والحجر الصحي، لجأ الكثيرون إلى متابعة الرياضة من منازلهم أو مشاهدة الأفلام كوسيلة للتسلية والتخلص من الشعور بالعزلة. مما ساعد في تعزيز وعي هذه المنصات وجعلها جزءًا أساسيًا من حياة المستخدمين اليومية. حيث فتحت سترافا أبوابها لمجتمعات رياضية جديدة ضمت من يمارسون التمارين في منازلهم، بينما أوجدت ليتربوكسد فرصة للتفاعل مع ما كان يُعتبر جزءًا من الثقافة الشعبية في ظل الأوقات العصيبة. كما يكشف الاتجاه نحو سترافا وليتربوكسد أن المستخدمين قد بدأوا بالتفكير بصورة نقدية في كيفية استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي. فالأفراد باتوا يدركون أهمية تخصيص وقت لهم وللهواياتهم بدلاً من تصفح المحتوى السطحي الذي لا يحقق لهم الفائدة. وهنا تبرز أهمية هذه المنصات كمجتمعات تدعم وتحتفل بالأشياء التي يهتم بها الأشخاص حقًا. في الختام، يشير صعود سترافا وليتربوكسد إلى تزايد الاتجاه نحو منصات تعطي الأولوية للخصوصية والجوانب الإيجابية للحياة. حيث يفضل المستخدمون البحث عن تجارب تشعرهم بالراحة وتساعد في تعزيز تفاعلهم مع الآخرين بعيدًا عن الضغوط والتوقعات العالية. تبشر هذه الخطوات بأن المستقبل قد يحمل المزيد من الابتكارات في عالم وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتم تبني تجارب أكثر إنسانية وتواصلًا حقيقيًا.。
الخطوة التالية