في عام 2013، أصدرت منظمة الشفافية الدولية تقريرها الشامل المعروف باسم "مؤشر الفساد العالمي"، والذي يُعتبر واحدًا من أكبر الاستطلاعات التي تدرس الرأي العام حول الفساد على مستوى العالم. تم إجراء هذا الاستطلاع عبر سؤال أكثر من 114,000 شخص في 107 دول، حيث جُمعت البيانات بين سبتمبر 2012 ومارس 2013. هذه المبادرة تستهدف تحديد مدى انتشار الفساد وتأثيره على حياة الناس في مختلف البلدان. يشير التقرير إلى أن الفساد يعد إحدى القضايا الرئيسية التي تؤثر على مجتمعاتنا، حيث تظهر النتائج أن العديد من الناس يشعرون بأنهم يعيشون في ظل نظام فاسد. ومع وجود أعداد كبيرة من المستجيبين، نجح الاستطلاع في تقديم صورة شاملة تعكس تجارب الناس مع الرشوة، وتقييمهم للمؤسسات الحكومية والقوانين المعنية بمكافحة الفساد. أظهرت نتائج الاستطلاع أن العديد من الأشخاص، في جميع أنحاء العالم، قد واجهوا تجارب مباشرة مع الرشوة في مجالات مختلفة، بما في ذلك التعليم، والصحة، والخدمات العامة. من بين الخيارات المختلفة، أبدى العديد من المشاركين قلقهم من أن الفساد ينفذ في عروق مؤسساتهم. إذ اعتبر 54% من المشاركين في الاستطلاع أن الفساد في الحكومة هو القضية الأكثر أهمية التي تحتاج إلى معالجة، بينما أبدى 39% قلقًا من الفساد في النظام القضائي. إن التوسع في نطاق الاستطلاع وإمكاناته لتعميق الفهم حول الفساد كان ملحوظًا. التقرير فحص ليس فقط تجارب الأفراد مع الرشوة، ولكنه أيضًا تناول كيف يرون دور حكوماتهم في مكافحة الفساد، ومدى فعالية السياسات المعمول بها. وفي بعض البلدان، قد تشكلت آراء عميقة حول عدم الثقة في المؤسسات، مما يعكس تأثير الفساد على الحياة اليومية. وتجدر الإشارة إلى أن العوامل الاقتصادية تلعب دورًا كبيرًا في تعزيز الفساد. الدول التي تعاني من ضعف اقتصادي غالبًا ما تشهد مستويات أعلى من الفساد، حيث يميل الأفراد إلى الانخراط في سلوكيات فاسدة نتيجة لضغط الحاجة والافتقار إلى الفرص. بينما في الدول ذات الاقتصادات الأكثر استقرارًا وتقدمًا، يكون هناك ميل أقل للفساد، مما يعكس التفاعل بين الثروة والشفافية. لكن، تمد نظرة الاستطلاع الأيدولوجيا إلى ما هو أبعد من مجرد تحديد التجارب المستندة إلى الأرقام. فقد أظهر الناس استعدادهم للتصدي للفساد. في العديد من البلدان، أبدى المشاركون التزامهم بالتصدي للفساد ودعمهم لمبادرات مكافحة الفساد. فقد أشار 78% من المستطلعين إلى رغبتهم في المشاركة في جهود مكافحة الفساد، مما يدل على أن الأمل في التغيير موجود ويجب استغلاله. الدعاية الإيجابية للصورة العامة حول الفساد تُعتبر أمرًا بالغ الأهمية لأجل التصدي لهذه الظاهرة. وقد أظهر التحقيق في الاستطلاع أن المشاركين لديهم رغبة قوية في دعم القوانين والسياسات التي تعزز الشفافية والمساءلة. وتعد هذه الرغبة عاملاً إيجابيًا قد يساعد في حث الحكومات على اتخاذ الخطوات اللازمة لمعالجة القضايا المتعلقة بالفساد والتعهد بالعمل على تطبيق القانون. ومع ذلك، وعلى الرغم من وجود هذه الأحاسيس الإيجابية، يبقى ليست جميع المساعي ضد الفساد ناجحة. بل إن العوائق تظل كبيرة، بما في ذلك نقص الإرادة السياسية، وضعف تنفيذ القوانين، والمخاطر التي تكتنف محاربة قوى الفساد، وتحديات أخرى مثل التهديدات ضد نشطاء حقوق الإنسان. ومع تزايد قوة الفساد في بعض الأحيان، يصبح الأفراد المعرضين لمكافحة الفساد أهدافًا سهلة. في سياق ذلك، يُعتبر الدعم الدولي جزءًا أساسيًا من الجهود المبذولة لعلاج آفة الفساد. يجب تعزيز التعاون بين الدول والمنظمات غير الحكومية لضمان تبادل الخبرات وتسهيل الشفافية. على المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي أن تلعب دورًا في تعزيز الشفافية والمساءلة، ودعم البلدان في تطوير سياسات تتصدى للفساد. إن الدور الذي تلعبه التكنولوجيا في مكافحة الفساد لا يمكن تجاهله. فقد بدأت العديد من الحكومات في استخدام التكنولوجيا لتحسين الشفافية، من خلال منصات الإبلاغ الرقمية، وتطبيقات الهاتف، ومواقع الويب التعليمية بشأن حقوق المواطنين. هذه الأدوات ليس فقط تُسهم في تسهيل الإبلاغ عن الفساد، لكنها أيضًا تزيد من مستوى الوعي العام حول المساءلة. في النهاية، ينبغي أن يُنظر إلى الفساد باعتباره تحديًا مشتركًا يجب على المجتمعات التعامل معه بشكل جماعي. نتائج الاستطلاع والاحصاءات التي قدمها "مؤشر الفساد العالمي" تُسلط الضوء على الحاجة الملحة للشفافية والمساءلة. العالم بحاجة إلى التغيير، ويجب أن تكون الحكومات والشعوب والقطاع الخاص متعاونين في هذه المعركة. بفضل جهود الأفراد والمنظمات الملتزمة، يمكن تحقيق التغيير، مما يؤدي إلى عالم أفضل وأكثر نزاهة للأجيال القادمة.。
الخطوة التالية