في حادثة، بدت غريبة ومثيرة للاهتمام في عالم السياسة الأمريكية، ظهر مرشح الحزب الجمهوري لانتخابات مجلس الشيوخ سام براون في مقطع فيديو مدته دقيقتان، يروج فيه للعملات المشفرة بطريقة تشبه إعلاناً على قناة التسوق الشهيرة “Home Shopping Network”. ولكن المثير في الأمر هو أنه لم يكن يتحدث عن برنامجه الانتخابي أو أي قضايا سياسية مهمة، بل كان يمسك بكتاب خيالي مكتوب بواسطة شخصية وهمية. يخصص براون، في مقطعه المثير, وقته بالكامل للحديث عن مزايا العملات المشفرة. يتحدث بحماس ويسأل جمهوره: “هل تستطيع أن تتخيل سيناريو قد يجعلك ترغب في إرسال أموال إلى بلد آخر؟ لعائلتك؟ لأصدقائك؟” ينقل ذلك بطريقة يبدو أنها مقنعة لبعض المتابعين، على الرغم من أن معظم الناس قد لا يرون العملات المشفرة كقضية ملحة على طاولة الطعام. على الرغم من تركيزه على العملات المشفرة، يظل هناك تساؤل حول مدى أهمية هذا الموضوع بالنسبة للناخبين العاديين في ولاية نيفادا. وفقًا لبعض التقارير، يبدو أن الناس يربطون العملات المشفرة بالاحتيال، ومع مرور خمسة عشر عامًا على إنشائها، يتراجع الاهتمام بها شيئًا فشيئًا. هذا يعكس انعدام الثقة في فئة من المتداولين والمستثمرين الذين ارتبطت أسماءهم بأعمال غير مشروعة. ما يثير الدهشة هو أنه بجانب حديثه عن العملات الرقمية، كان براون يضع بجانبه مجموعة من الكتب، كان الكتاب العلوي هو “بعض البدايات الجديدة” للسيناتور الوهمي سيلينا ماير، التي تجسدها الممثلة جوليا لويس-دريفوس في سلسلة “Veep”. يعكس هذا الاقتران الخيالي مسعى براون لتقديم قضية سياسية برؤية كوميدية وغير جدية. وقد اعتبره البعض توجيهًا ذكيًا لإثارة اهتمام جيل الشبان، لكن في الوقت نفسه، يمكن أن ينظر إليه بشكل سلبي كعدم جدية في معالجة قضايا البلاد الحالية. لقد كان لهجة براون في الفيديو خفيفة، وكان الأداء يشبه ما يمكن أن نراه في تسويق منتج جديد. قد يعكس هذا التوجه نحوه دائرة معينة من الناخبين، وخاصة الشباب، الذين يميلون إلى الابتكار والتكنولوجيا. لكن يجادل المنتقدون بأن هذه الحملة ليست سوى محاولة للفت الانتباه بعيدًا عن القضايا الجوهرية. في هذا السياق، تتداخل الموضوعات الاقتصادية والسياسية. فتحت المصطلحات مثل “الضرائب” و”التشريعات” ألغت النقاش حول ما يعتبره بعض النواب أموراً أساسية. وبراون، رغم أنه انتقد تشريعات الحزب الديمقراطي التي تعزز من ميزانية مصلحة الضرائب، إلا أن حديثه عن العملات المشفرة لم يتطرق بشكل واقعي إلى تأثير هذه القضايا على حياة الأمريكيين العاديين. الأغرب من ذلك، أن قطاع العملات المشفرة قد بدأ في الآونة الأخيرة بشق طريقه في السياسة، حيث تتدفق الأموال من المستثمرين عبر المساهمات السياسية والترويج الإعلامي لبناء دعم سياسي. وقد أظهرت تقارير التمويل الأخيرة أن هذا القطاع لم يكن ناشطًا في دعم أو معارضة أي من المرشحين في سباق نيفادا بشكل ملحوظ. يبدو أن براون يأمل في تغيير هذا، محاولاً استغلال الاهتمام المتزايد بالسوق المربح للعملات المشفرة لإثبات نفسه كمرشح مفضل بين مؤيديه المحتملين. في الوقت نفسه، يبقى التعاطف المزعوم للناخبين مع براون غير مؤكد، حيث أن نجاحه يعتمد على مدى استجابة الناخبين لرسائله الغريبة. يمكن للأداء الذي قدمه براون أن يُعتبر تجسيدًا لواقع سياسي يتجاوز القضايا التقليدية. حيث يتجه الكثير من السياسيين نحو استراتيجيات غير تقليدية لجذب الناخبين، من التركيز على شخصيات إعلامية إلى الاعتماد على التكنولوجيا للتواصل. إلا أن هذه الأساليب، كما يظهر الفيديو، قد تترك انطباعًا بعدم الجدية أو التفاهة. في النهاية، قد يعتبر هذا الفيديو نموذجًا لما يمكن أن يبدو عليه النقاش السياسي في القرن الحادي والعشرين. ومع تنامي دور وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها، يمكن أن نتوقع رؤية المزيد من هذه الحملات غير التقليدية. لكن يبقى السؤال: هل ستؤدي هذه الأساليب إلى تأثير حقيقي في صناديق الاقتراع؟ إن الأمر يتطلب توازنًا دقيقًا بين الابتكار السياسي والجدية في معالجة القضايا التي تهم الناخبين. في الوقت الذي يعكس فيه الفيديو استعداد براون لاستخدام كل الوسائل الممكنة للترويج لرسالته، يظل تأثير هذه الاستراتيجيات على الناخبين محل تساؤل دائم. كيف سيتفاعل الناخبون مع هذه الشخصيات الدرامية والأداء الكوميدي في ما يتعلق بشؤون حياتهم اليومية؟ قد يكشف لنا المستقبل القريب الإجابة. في عالم السياسة، حيث القيم والمتغيرات تلتقي، يبقى الأمل في أن نجد مرشحين يعبرون عن أفكارهم بوضوح وصدق، بعيدًا عن العروض المبتكرة التي قد تؤدي إلى انعدام الثقة بدلًا من تعزيزه.。
الخطوة التالية