تعتبر سياسة توافر البيانات من الموضوعات الحيوية في العصر الرقمي الذي نعيشه اليوم، حيث تلعب البيانات دورًا مركزيًا في العديد من المجالات مثل البحث العلمي، والتجارة، والابتكار. إن فهم كيفية إدارة البيانات وتوافرها يسهم بشكل كبير في تعزيز التقدم العلمي والتقني. في هذا المقال، سنستعرض أهمية سياسة توافر البيانات، والتحديات المرتبطة بها، وأفضل الممارسات العالمية في هذا السياق. تسهم البيانات في تشكيل المعلومات التي نعتمد عليها لاتخاذ القرارات في حياتنا اليومية. في عالم البحث العلمي، تعتبر البيانات الخام نتاجًا أساسيًا للعملية البحثية. فالمعلومات التي تم جمعها وتحليلها تلعب دورًا محوريًا في التوصل إلى النتائج والاستنتاجات التي يمكن أن تغير مجرى الأبحاث. لكن ما هو مقدار البيانات التي يجب أن تكون متاحة للجمهور؟ وما هي العوامل التي تحدد كيفية مشاركة هذه البيانات؟ تتطلب سياسة توافر البيانات بشكل أساسي من المؤسسات والباحثين أن يجعلوا البيانات المتعلقة بأعمالهم متاحة لأشخاص آخرين - سواء كانت البيانات خاصة بدراسات علمية، أو تجارب، أو حتى فحوصات طبية. يعتبر ذلك ضروريًا لدعم الشفافية، وتعزيز التعاون بين الباحثين، وتحفيز الابتكار. فمشاركة البيانات يمكن أن تساعد في تسريع وتيرة البحث من خلال السماح للعلماء بالاستفادة من البيانات التي قد لا تكون لديهم في الأساس. ومع ذلك، لا يخلو الأمر من التحديات. يتعين على الباحثين ضمان أن البيانات التي يشاركونها لا تنتهك خصوصية الأفراد أو حقوق الملكية. وفي بعض الأحيان، قد يتطلب الأمر اتخاذ تدابير قانونية لحماية المعلومات الحساسة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون هناك معايير واضحة حول كيفية هيكلة البيانات وتخزينها، مما يجعل من السهل على الآخرين الوصول إليها واستخدامها. لذلك اتجهت العديد من المجلات العلمية والهيئات البحثية إلى وضع سياسات صارمة لزيادة توافر البيانات. على سبيل المثال، قررت مجلة "لوكيميا" (Leukemia) التابعة لدور النشر العالمية "سبيرنجر ناتشر" فرض سياسة توافر بيانات من النوع الثالث. وهذا يعني أن المواد الواردة في المخطوطات المقدمة إليهم، بما في ذلك جميع البيانات الخام ذات الصلة، يجب أن تكون متاحة مجانًا لأي باحث يرغب في استخدامها لأغراض غير تجارية. تشجع سياسة توافر البيانات في المجلة المذكورة المؤلفين على إيداع مجموعاتهم البيانات في مستودعات عامة متاحة للجمهور أو تقديمها ضمن المخطوطة أو الملفات الداعمة. يتوجب على أصحاب الدراسات العلمية توفير معرّفات دائمة للبيانات ذات الصلة مثل أرقام DOI أو أرقام الوصول. تعتبر أهم التحديات المرتبطة بتوافر البيانات هي كيفية تمكين استخدامها بشكل آمن وفعّال. لذا، تُعتبر عملية الإيداع في مستودعات معتمدة أداة فعّالة. فالمستودعات العامة توفر بيئة آمنة لتخزين البيانات، مما يضمن إمكانية الوصول إليها من قبل المجتمع العلمي. ومع تزايد الاتجاه نحو البيانات المفتوحة، ينبغي على الجهات المعنية التفكير في كيفية تقديم الدعم للأبحاث ورفع مستوى الوعي بخصوص فوائد مشاركة البيانات. على سبيل المثال، ينبغي تقديم التدريب والتوجيه للباحثين حول كيفية إدارة بياناتهم وإتاحتها بشكل صحيح. يمكن أن يشمل ذلك استخدام أدوات التدريب عبر الإنترنت، وورش العمل، وتسهيل الوصول إلى الموارد المتعلقة بإدارة البيانات. هذا من شأنه أن يعزز ثقافة توافر البيانات، ويشجع الباحثين على تبني هذه السياسات في أعمالهم. هناك أيضًا محاولات من قبل بعض المؤسسات الأكاديمية والحكومية لإنشاء مبادرات جديدة لتعزيز مشاركة البيانات. فعلى سبيل المثال، تمتلك بعض البلدان برامج وطنية تهدف إلى تحسين توافر البيانات وتعزيز الشفافية. يمكن أن تشمل هذه البرامج توفير التمويل للمبادرات البحثية التي تعتمد على البيانات المفتوحة، وتطوير معايير وطنية لإدارة البيانات. يجب أن ندرك أن البيانات ليست مجرد أرقام أو معلومات خام، بل هي أداة قوة تعزز المعرفة والفهم. وعند مشاركتها بصورة مسؤولة ومُنظّمة، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى اكتشافات جديدة، ويسرع من وتيرة الابتكار. إن بناء سياسة فعّالة لتوافر البيانات يتطلب التعاون بين الباحثين، والمستودعات، والجهات التنظيمية. فعندما تتضافر الجهود لتحقيق هذا الهدف، يمكن أن نضمن أن تكون البيانات متاحة للكل، مما يعزز من الابتكار والتقدم في مختلف القطاعات. في الختام، تظل سياسة توافر البيانات عاملًا محوريًا في مشهد البحث العلمي اليوم. بينما تتكشف التحديات، يجب أن نعتبر المشاركة الفعّالة للبيانات سبيلًا أساسيًا لدعم البحث والابتكار. إن ضمان توفّر البيانات المسؤولة يمكن أن يسهم في إحداث تغيير حقيقي في كيفية إجراء الأبحاث والتعامل مع المعلومات. لذلك، يتعين على الجميع من باحثين ومؤسسات العمل معًا لتطوير سياسات تخدم المصلحة العامة وتعزز من فعالية الأبحاث العلمية.。
الخطوة التالية