في عصر تتزايد فيه حدة المنافسة السياسية في الولايات المتحدة، أصبحت استطلاعات الرأي أداة حيوية تساهم في تشكيل الرأي العام وتوجيه الأنظار نحو الشخصيات السياسية التي قد تخوض الانتخابات المقبلة. ومن بين هذه الشخصيات، تبرز نائبة الرئيس كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترامب، كرمزين لرؤيتين متباينتين للدولة. في الآونة الأخيرة، أجرى موقع بلومبرغ للأخبار استطلاعًا جديدًا يُعنى بتقييم آراء الناس حول هاريس وترامب، وذلك في سياق الانتخابات الرئاسية المقبلة. وقد عُرضت في هذا الاستطلاع آراء الناخبين حول كفاءات كل منهما، بالإضافة إلى شعبيتهم في مختلف الفئات الاجتماعية والعرقية. لعل ما يميز هذا الاستطلاع هو تباين النتائج التي أظهرت استمرار ترامب في المحافظة على قاعدة دعم ضيقة، في حين أن هاريس تتجه نحو تعزيز شعبيتها داخل الفئات الشبابية والنساء. فترامب، الذي شهد فترة رئاسية مثيرة للجدل، لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة بين الناخبين الجمهوريين، لكنه يواجه تحديات كبيرة في كسب قلوب الناخبين المستقلين. وفي المقابل، تسعى هاريس لخلق هوة تفصلها عن سياسات ترامب، حيث تعمل على تقديم رؤية أكثر تقدمية تتعلق بالعدالة الاجتماعية والمساواة. وبالنظر إلى استطلاعات الرأي، نجد أن هاريس تحظى بدعم أكبر بين النساء والشباب، ما يشير إلى تحول في الاتجاهات السياسية في أمريكا. تُظهر الأرقام أن هاريس قد ترتفع شعبيتها في الفترات المقبلة، خاصة إذا ما تمكّنت من الإعلان عن أجندة طموحة تستهدف قضايا ملحة مثل التعليم، والبيئة، والرعاية الصحية. ونتيجةً لذلك، يأمل مؤيدوها أن يتمكنوا من استثمار هذا الزخم لتعزيز فرصها في الفوز في الانتخابات. ومع ذلك، لا تزال هناك بعض العقبات التي قد تعيق هاريس، مثل قلة التجربة في قيادة حملات انتخابية رئاسية، بالإضافة إلى بعض المشاكل التي تتعلق بسياستها الداخلية. كما يُعتبر ترامب خصمًا قويًا وساخرًا يمكن أن يقلب المعادلة لصالحه من خلال حملاته الانتخابية الجريئة وتحديه للنظام. يتناول الاستطلاع أيضًا العوامل التي تؤثر على تصورات الناخبين حيال هاريس وترامب. تشير النتائج إلى أن القضايا الاقتصادية والاجتماعية تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل آراء الناخبين. فمع تزايد المخاوف بشأن التضخم وارتفاع الأسعار، يركز الناخبون على كيفية معالجة كل من هاريس وترامب لهذه القضايا. حيث يأمل الناخبون في أن يتمكن كل منهما من تقديم حلول فعالة للمشاكل الاقتصادية الراهنة. بالإضافة إلى ذلك، تبرز أهمية استمالة الناخبين من الأقليات العرقية. فبينما يواجه ترامب انتقادات من هذه الفئات، يُظهر الاستطلاع أن هاريس، التي تنتمي إلى جذور هندية وجامايكية، تمتلك القدرة على كسب دعم كبير من الناخبين ذوي الأصول المتنوعة. وهذا ما يمكن أن يعرّض ترامب لمزيد من الضغط في معاركه مع هاريس. كما يركز الاستطلاع على استجابة الناخبين لأسلوب القيادة والتواصل لدى كل من هاريس وترامب. إذ يعاني ترامب من انتقادات بشأن أسلوبه الذي يُعتبر متطرفًا وتواصله الذي يثير الجدل. بينما تتميز هاريس بأسلوبها الدافئ والعاطفي، ما قد يجعلها أكثر قربًا من قلوب الناخبين. على الرغم من أن الوقت لا يزال مبكرًا جدًا للحكم على ملامح المنافسة بين هاريس وترامب، فإن النتائج الأولية تُظهر أن المعركة ستكون شرسة. فالناخبون الأمريكيون أصبحوا أكثر إدراكًا لأهمية اختيارهم، ولذا، فإن كل من هاريس وترامب يحتاجان إلى استراتيجيات فعالة لجذب الناخبين وإقناعهم بأنهما الخيار الأفضل. تجدر الإشارة إلى أن الاستطلاع يعكس كذلك انقسامًا كبيرًا في الآراء بين الفئات الحزبية. فعلى الرغم من أن ترامب يظل الزعيم الفعلي للتيار الجمهوري، فإن أصوات بعض الجمهوريين تنادي بضرورة تغيير القيادات التقليدية. وفي الطرف الآخر، تكتسب هاريس دعمًا متزايدًا من الديمقراطيين اليمينيين واليساريين على حد سواء، ما يجعل من المحتمل أن تشكل جبهة موحدة ضد سياسات ترامب. التحديات التي تواجه هاريس وضغوطات الانتخابات المقبلة تتطلب منها مزيدًا من الابتكار في حملتها. إذ يجب عليها العمل على صياغة رؤية واضحة وملموسة، تركز على القضايا الملحة للسكان، والتي تأمل أن تُترجم إلى أصوات في يوم الاقتراع. فبدلاً من التوجه نحو الخطاب التقليدي، يمكن أن تخلق هاريس قنوات تواصل أكثر فاعلية مع الناخبين، من خلال الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي والفعاليات المجتمعية، خصوصًا في الجاليات التي تمثل أقليات عرقية. وبهذه الطريقة، يمكن لها أن تُظهر أنه بإمكانها تحقيق التغيير الإيجابي الذي يسعى إليه المجتمع. في الختام، يمثل الاستطلاع الجديد من بلومبرغ نقطة انطلاق لفهم أعمق الديناميكيات السياسية في أمريكا اليوم. مع وجود هاريس وترامب على الساحة، يبدو أن المنافسة ستكون ساخنة ومليئة بالتحديات. إذ لا يزال أمام الناخبين خيار اختيار القادة الذين يرون أنهم يمكنهم بناء مستقبل أفضل لأمريكا، وهو ما سيعتمد على مدى قدرة كل من هاريس وترامب على تحقيق ذلك.。
الخطوة التالية