مخاطر استثمارية قديمة، وقرارات جريئة جديدة. يتجلى ذلك في قصة المستثمر المعروف مايكل بوري، الذي أصبح رمزا شعبيا بفضل توقعاته الدقيقة حول أزمة الرهن العقاري في عام 2008. الآن، نرى بوري يلعب ورقة جديدة، حيث شهدت أسهمه الصينية ارتفاعاً ملحوظاً بعد التغييرات السياسية الأخيرة في الصين. تُظهر أحدث وثائق الايداع الخاصة ببوري، والتي تحمل اسم "13-F filing"، أن استثماراته في السوق الصينية أصبحت تشكل جزءاً كبيراً من محفظته. إذ تمثل ثلاث شركات فقط حوالي 45% من إجمالي استثماراته. هذه الشركات هي "علي بابا" و"JD.com" و"بايدو"، حيث زادت أسهمها بشكل ملحوظ في الأيام الأخيرة بفضل الحوافز الاقتصادية الجديدة التي أعلنتها الحكومة الصينية. بتاريخ 25 سبتمبر 2024، أعلن بنك الشعب الصيني عن حزمة من الخطوات التحفيزية التي تعد الأبرز منذ بداية جائحة كورونا. هذه الحوافز لم تكن متوقعة فحسب، بل كانت ضرورية أيضاً. فقد شهدت الأسهم الصينية تراجعاً كبيراً، حتى وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2019. هذه الظروف الاقتصادية الصعبة كانت محفزاً لبوري لزيادة استثماراته في هذه الشركات العملاقة. تُعتبر "علي بابا" العمود الفقري لاستثمارات بوري، حيث تمثل ما يقارب 21% من محفظته. ارتفعت أسهم "علي بابا" بنسبة 11.02% خلال الأيام الخمسة الماضية، بالتزامن مع زيادة ملحوظة في حجم التداول منذ بداية يوم الأربعاء. بوري لم يقتصر على "علي بابا" فقط، بل استثمر أيضاً في "JD.com"، التي حققت أكبر زيادة في الأسعار بلغت 18.81% في نفس الفترة، و"بايدو" التي سجلت ارتفاعاً بنسبة 9.85%. يعود تاريخ دخول بوري إلى السوق الصينية إلى الربع الثالث من عام 2023، حيث قام بشراء 50,000 سهم من "علي بابا" و125,000 سهم من "JD.com". ثم زاد استثماراته لاحقاً، حيث زادت إلى 75,000 سهم من "بايدو" و200,000 سهم من "JD.com" في الربع التالي. مع انتهاء الربع الأول من عام 2024، كان لديه 155,000 سهم من "علي بابا" و250,000 سهم من "JD.com" و75,000 سهم من "بايدو". ولكن يلاحظ أن بوري قلص حيازته في "JD.com" بسبب برنامج إعادة شراء الأسهم البالغ خمسة مليارات دولار. ومع ذلك، تبقى التساؤلات حول ما إذا كانت استثمارات بوري في الصين قد أُثبتت نجاحها. وبما أن حيازاته لا تزال مفتوحة، فإن النتائج ستظهر مع مرور الوقت. ويُعتبر ملف الـ13-F مزيجاً من المعلومات الهامة، لكنه لا يُظهر توقيت الشراء بدقة. لذلك، يبقى اتخاذ القرار الاستثماري مليئاً بالمخاطر، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية المتغيرة. أما عن أداء الأسهم خلال العام الماضي، فقد كانت "علي بابا" تتداول حول 85.82 دولار للسهم، وواحدة من أهم شركات التقنية والإلكترونيات في العالم. بينما لم يكن وضع "JD.com" أفضل حالاً، رغم الوصول إلى زيادة بمقدار 13.19% في الأيام الماضية. وأخيراً، سجلت "بايدو" تراجعاً كبيراً بنسبة -29.17% على مدار العام، ما يجعل مكاسبها الأخيرة أقل تأثيراً. المتفائلون في السوق يأملون أن تؤدي الحوافز الاقتصادية الأخيرة إلى استعادة الثقة في السوق الصيني، مما قد يؤدي إلى مزيد من المكاسب لشركات مثل "علي بابا" و"JD.com" و"بايدو". حيث أشار محافظ بنك الشعب الصيني إلى تخفيض نسبة الاحتياطي المطلوبة لدى البنوك بمقدار 50 نقطة أساس، مما سيمكن من ضخ حوالي 142 مليار دولار في الاقتصاد. بالإضافة إلى ذلك، تم الإعلان عن تخفيض أسعار الفائدة للمقترضين وخفض متطلبات الدفعة المقدمة لمشتري المنازل، في خطوة تهدف إلى تحفيز سوق العقارات المتعثر في الصين. إذا أثمرت هذه التدابير، فمن المحتمل أن تحقق الشركات التي يمتلك بوري أسهمًا بها نجاحات أكبر، مما قد يشجع المزيد من الاستثمارات في السوق الصينية. إن ابتعاد بوري عن مبادئه السابقة، والتي كانت تركز على المخاطر الكبرى، للدخول في استثمارات أقل تأرجحًا في الصين، قد يمثل تحولًا استراتيجيًا هامًا في رؤيته الاستثمارية. بشكل عام، يمكن القول إن مايكل بوري يتحرك بشجاعة في عالم الاستثمار، وتحديداً في السوق الصينية التي تظهر علامات على الانتعاش. ومع ذلك، تبقى المخاطر قائمة، ومن الضروري مراقبة تطورات السوق عن كثب وتقييم ما إذا كانت الحوافز الحكومية ستؤدي إلى استقرار النمو الاقتصادي. إن تجارب بوري تعكس تحديات السوق الصيني حالياً وتبرز أهمية الاستراتيجيات الذكية في استغلال الفرص الجديدة. من الواضح أن المستثمرين يتطلعون لمتابعة خطوات بوري، حيث أن توقعاته قد تفتح أفقًا جديدًا للتفكير في كيفية استثمار الأموال في ظل الظروف الاقتصادية الحالية. إن كان هناك شيءٌ واحد مؤكد، فإنه لا يمكن التقليل من أهمية ما يحدث في الصين، حيث أن التغييرات الكبرى هناك يمكن أن تؤثر على الاقتصاد العالمي بأسره.。
الخطوة التالية