في وقتٍ تتصاعد فيه التوترات في شرق أوروبا، وتواجه أوكرانيا أزمة وجودية تهدد سيادتها، ظهرت تكنولوجيا حديثة لم يكن لها مثيل في تاريخ الحروب والصراعات، وهي العملة الرقمية. فقد أعلنت الحكومة الأوكرانية، في فترة حرجة من الصراع مع القوات الروسية، عن جمعها مبلغ ضخم يُقدَّر بـ22 مليون دولار أمريكي على شكل تبرعات بالعملات الرقمية. هذه المبادرة تُعتبر واحدة من أبرز وأحدث محاور الدعم الدولي لأوكرانيا، حيث تعكس قدرة التقنيات الحديثة على تغيير أسرع للمسارات التقليدية للمساعدات في أوقات الأزمات. تعود بدايات هذا الدعم المالي الإلكتروني إلى أوائل عام 2022، حيث كانت الحرب تتصاعد وتُحدث تغييرات دراماتيكية على مستوى المنطقة. ونتيجة لذلك، استخدمت أوكرانيا منصات العملات المشفرة مثل بيتكوين وإيثريوم كوسيلة لجمع الأموال من الأفراد حول العالم. فقد أطلق وزير التحول الرقمي ميخايلو فيدوروف، نداءً عبر وسائل التواصل الاجتماعي لدعم بلاده من خلال التبرع بالعملات الرقمية، مما جعل العديد من المساهمين يتوجهون سريعاً للمشاركة في هذا الجهد. لم يكن الأمر مجرد توجيه نداء بل كانت هناك خطة محكمة تتضمن استخدام هذه التبرعات في محاربة القوات الغازية وتأمين الدعم الإنساني الداخلي. في عالم تتسم فيه المساعدات التقليدية بالتعقيد البيروقراطي، قدمت العملات الرقمية وسيلةً أسرع وأكثر كفاءة لتحويل المال مباشرة إلى من يحتاجه بالفعل. حظيت هذه المبادرة باهتمام عالمي، ليس فقط بسبب المبلغ الذي تم جمعه، ولكن أيضاً بسبب الطريقة التي عُقدت بها. فطبيعة العملة الرقمية منحت الأفراد الصغار والشركات الفرصة للمشاركة في دعم قضية إنسانية. وأصبح من الممكن للأشخاص في مختلف بلدان العالم أن يشعروا بأن لديهم القدرة على مساعدة أوكرانيا بمبلغ بسيط، وبضغطة زر. تعتبر هذه الظاهرة نقطة تحول مهمة في كيفية التعامل مع الحروب والأزمات الإنسانية. فقد أظهرت أن المجتمعات لا تتطلب فقط استجابات حكومية وتقليدية، بل يمكن للتكنولوجيا أن تلعب دوراً مهماً في التحشيد والتعبئة. باستخدام البيتكوين، تمكن الأشخاص الذين عُرفوا بأنهم داعمو القضايا الإنسانية من إرسال أموالهم بشكل فوري وسلس. ووفقاً للتقارير، فقد تم استخدام جزء من الأموال المجمعة لشراء معدات عسكرية مثل الطائرات المسيّرة والذخائر، بالإضافة إلى أوجه الدعم الأخرى مثل المساعدة الطبية والغذائية. وهذا يعكس فعالية العملات الرقمية في تسريع عمليات الدعم بالنظر إلى العمليتين الطويلتين التي قد تستغرقها المساعدات التقليدية. ولكن مع كل هذه الفوائد، لا يمكن إغفال المخاطر المرتبطة بالعملات المشفرة. إذ تتعرض هذه الأموال للتقلبات نفسها التي تواجهها أسواق التشفير، مما يعني أن المساهمات يمكن أن تتقلب قيمتها بشكل حاد. كما أن هناك دائماً مخاوف من التلاعب أو القرصنة الإلكترونية، وهي قضايا أثيرت وكُثرت التساؤلات حول كيفية حماية هذه الأموال وتأمينها. ومع تفاقم التوترات في أوكرانيا، بدأت بعض الحكومات في النظر بجدية في العملات الرقمية كجزء من إجراءاتها المالية. وقد ظهرت مبادرات من بعض الدول لتطوير أنظمة عملات رقمية خاصة بها، في محاولة لتوفير خيارات جديدة للتحويلات الدولية والمساعدات الإنسانية. وبعيدًا عن الأبعاد المالية، كان لنداء أوكرانيا باستخدام العملات المشفرة تأثير نفسي كبير. فقد أعطى الأمل لملايين الأشخاص الذين شعروا بالعجز أمام مشهد الصراع والعنف، كما أظهر روح التضامن بين الأفراد في مختلف أنحاء العالم. وتمكنت أوكرانيا من الوصول إلى قاعدة دعم جديدة تشكلت من الشباب والمبتكرين الرقميين، مما ساهم في تعزيز روح الوحدة والعمل الجماعي عبر الحدود. ومع مرور الوقت، قد نرى تغييرات شاملة في طريقة تقديم الدعم الإنساني، حيث تصبح العملات المشفرة وسيلة رائجة وأداة فعالة في معالجة الأزمات. وقد يرسم هذا السيناريو الجديد معالم مستقبل النظام المالي العالمي، خصوصاً في أوقات الأزمات. من المهم كذلك أن تُفهم هذه التجربة على أنها تجسيد للتحولات الاجتماعية والسياسية في العالم الحالي. فالعملات الرقمية ليست مجرد أداة استثمار بل تعكس تطوراً في التفكير البشري حول كيفية التواصل والعمل معًا لحل المشكلات. في الوقت الذي تواجه فيه أوكرانيا تحديات ضخمة، تمكن هذا البلد من استخدام التقنيات الحديثة لتجاوز العقبات والتغلب على الأزمات. في ختام هذا التقرير، يمكن القول إن التبرعات بالعملات الرقمية التي تلقتها أوكرانيا تعكس التفاعل المذهل بين التكنولوجيا والمجتمعات في بالأزمات. كما تظهر كيف يمكن للأفراد أن يلعبوا دورًا فعالًا في دعم قضايا إنسانية بطرق جديدة ومبتكرة. في ظل الأزمات، تبقى الروح الإنسانية حاضرة، تتمثل في قدرة الأفراد على إحداث فرق حتى من بعيد، وباستخدام أدوات قد تبدو غير تقليدية. وبالتالي، فإن مستقبل هذه المبادرات قد يفتح أبوابًا جديدة للتعاون الدولي ويعزز من جهود تحسين الوضع الإنساني في جميع أنحاء العالم.。
الخطوة التالية