في السنوات الأخيرة، اجتاحت رموز NFT (الرموز الغير قابلة للاستبدال) العالم الرقمي، لتصبح أحد أشهر الاتجاهات في الاقتصاد الرقمي والفن والتجارة. ومع ذلك، فإن صعود هذه الظاهرة أثار قضايا بيئية حادة، حيث يشير الناقدون إلى أن عمليات تعدين NFT تعتمد على تقنيات تستهلك كميات هائلة من الطاقة، مما يؤدي إلى زيادة البصمة الكربونية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل من الممكن أن تكون هناك رموز NFT صديقة للبيئة؟ تشير التقارير إلى أن العديد من هذه الرموز تُعتمد على شبكة Ethereum، التي تشغلها عمليات تعدين تعتمد على نظام إثبات العمل. وهذا يعني أن الحواسيب القوية تقوم بحل معادلات رياضية معقدة للتأكد من صحة المعاملات، مما يستهلك الكثير من الطاقة. إذ أشار تقرير صادر عن جامعة كولومبيا إلى أن عملية تعدين NFT واحدة يمكن أن تتطلب طاقة تعادل ما تستهلكه أسرة أمريكية متوسطة في عام كامل. ومع تصاعد الاهتمام العام بالمناخ، يبحث الكثيرون عن حلول مبتكرة قد تسهم في جعل عالم NFT أكثر استدامة. وقد ظهرت بعض المشاريع الجديدة التي تهدف إلى الحد من التأثير البيئي لعمليات التعدين. على سبيل المثال، بدأ بعض الفنانين والمطورين في استخدام شبكات بديلة تعمل بنظام إثبات الحصة، الذي يعد أقل استهلاكًا للطاقة. تعمل هذه الشبكات على أساس مفهوم مختلف حيث يتم تأكيد المعاملات بناءً على عدد من الرموز المملوكة بدلاً من استخدام قوة معالجة الحواسيب. إحدى المنصات التي تسعى إلى تغيير هذا الواقع هي "Tezos"، التي تستخدم تقنية جديدة تتطلب طاقة أقل بكثير مقارنة بشبكة Ethereum. وجدت Tezos شهرة متزايدة بين الفنانين المهتمين بتحقيق بيئة مستدامة، حيث تشير التقارير إلى أن معاملات NFT على هذه الشبكة تستهلك طاقة أقل بنسبة 99% مقارنة بشبكة Ethereum. علاوةً على ذلك، بدأ الكثير من الفنانين في السعي لإنتاج NFT ذات طابع بيئي يروج للمسائل البيئية ويعزز الوعي بالتغير المناخي. هنالك مجموعة من المشاريع التي تهدف إلى استخدام أرباح بيع رموز NFT لدعم المشاريع البيئية، مثل إعادة التشجير أو حماية الحيوانات المهددة بالانقراض. من خلال الجمع بين الفن والتكنولوجيا، يسعى هؤلاء الباحثون عن الاستدامة إلى إيجاد طريقة تجعل من NFT وسيلة لدعم القضايا البيئية. ومع ذلك، فإن الانتقال إلى رموز NFT صديقة للبيئة لا يخلو من التحديات. على سبيل المثال، بالرغم من تقنيات إثبات الحصة، تبقى هناك الحاجة إلى مزيد من الوعي والتثقيف بين الجمهور عن الخيارات المتاحة. كما يواجه الفنانون أيضًا تحديات في قبول الجمهور لهذه النسخ البديلة من NFT، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بقيمة المقتنيات الفنية والأصلية. يشعر البعض أن NFT على الشبكات البيئية قد لا تعكس نفس القيمة السوقية التي تتمتع بها NFT التقليدية. هناك أيضًا مسألة الشفافية والمصداقية. إذ يجب أن تكون هناك آليات موثوقة تضمن أن الرموز التي يتم تداولها حقًا صديقة للبيئة، وهو ما يتطلب جهودًا من المنصات لتحسين الممارسات وتقديم الشهادات ذات الصلة. على صعيد آخر، هناك دعوات للتفكير في كيفية توسيع مفهوم NFT ليشمل استخدامات أخرى، مثل توثيق حقوق الملكية الفكرية في الفنون والثقافة، وفتح أبواب جديدة أمام الفنانين والمبدعين لدخول عالم التشفير بدون التأثير السلبي على البيئة. يمكن أن تكون NFT وسيلة لتعزيز التواصل بين الفنانين والجمهور، وخلق فرص جديدة للتفاعل مع القضايا الاجتماعية والبيئية. في نهاية المطاف، يبدو أن فكرة إنشاء NFT صديقة للبيئة ليست بعيدة المنال. تتطور التقنيات بسرعة، والوعي المتزايد حول أهمية حماية البيئة يدفع الكثيرين نحو البحث عن حلول بديلة. ومع استمرار النقاش حول تأثير NFT على البيئة، يبقى الدور الأساسي هو تعزيز الابتكار والاستدامة في هذا المجال. فهل ستنجح الجهود المبذولة في تحقيق هذا الهدف في المستقبل؟ الوقت كفيل بالإجابة عن هذا السؤال، ولكن الأمل موجود دائمًا مع كل فكرة جديدة تسعى للحفاظ على كوكبنا. إن مشروع الرموز الغير قابلة للاستبدال قد لا يكون قد وصل إلى ذروته بعد، ولكنه بالتأكيد في طريقه نحو التغيير، والتغيير نحو الأفضل. نحن في مرحلة تحتاج فيها الصناعة إلى إعادة تقييم، وفي وسط تلك التحديات تظهر الفرص. لذا، يمكن القول بكل ثقة إن رموز NFT صديقة للبيئة ليست مجرد حلم بعيد، بل هي إمكانية واقعية في عالم يسعى نحو تحقيق الاستدامة.。
الخطوة التالية