تواجه هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) في ظل قيادة رئيسها غاري جينسلر تحديات متزايدة في مجال تنظيم العملات المشفرة. حيث تم استدعاء جينسلر أمام الكونغرس الأمريكي لمناقشة كيفية تعامل الهيئة مع هذه الصناعة الناشئة، في جلسة استماع قد تكون محورية في تحديد مستقبل التنظيمات المتعلقة بالعملات الرقمية في الولايات المتحدة. في الجلسة التي شهدت حضور عدد كبير من المشرعين والصحفيين، تمحورت الأسئلة حول دور هيئة الأوراق المالية والبورصات في حماية المستثمرين وضمان نزاهة الأسواق. منذ أن تولى جينسلر منصبه، أدت ارتفاعات أسعار العملات المشفرة مثل البيتكوين والإيثريوم إلى جعل هذا القطاع محط أنظار المستثمرين والجهات التنظيمية على حد سواء. ومع تزايد عدد الشركات التي تسعى لتقديم خدمات مالية تعتمد على تقنية blockchain، أصبحت الحاجة إلى إطار تنظيمي واضح وفعال أكثر ضرورة من أي وقت مضى. خلال الجلسة، استعرض جينسلر وجهات نظره حول التحديات التي تواجهها الهيئة في تنظيم سوق العملات المشفرة. وأكد أن الهدف الرئيسي للهيئة هو حماية المستثمرين، وأن أي هيئة تنظيمية يجب أن تمتلك أدوات فاعلة لمواجهة المخاطر المرتبطة بهذا القطاع. وأشار إلى أن هناك العديد من التبادلات (exchanges) للنقود الرقمية التي تمتلك نموذج عمل قد يضع المستثمرين في خطر، مشددًا على أهمية وجود معايير صارمة لضمان الشفافية والأمان. ومع ذلك، واجه جينسلر انتقادات شديدة من عدد من المشرعين الذين اعتبروا أن تأخر الهيئة في وضع إطار تنظيمي واضح قد أدى إلى إغراق السوق في حالة من الفوضى. فقد أشار بعض أعضاء الكونغرس إلى أن المنافسة من الخارج، خصوصًا من دول مثل الصين وسنغافورة، تهدد ريادة الولايات المتحدة في هذا المجال. وطالب هؤلاء المشرعون بتسريع جهود الهيئة في وضع تشريعات تحفز الابتكار مع ضمان حماية المستثمرين. في سياق النقاش، سلط جينسلر الضوء على مسألة "التوجيه والمشورة القانونية" التي تحتاجها الشركات الناشئة في مجال العملات المشفرة. حيث أكد أن العديد من هذه الشركات تبحث عن وضوح قانوني، مشيرًا إلى أن الهيئة تعمل على تقديم إرشادات أكثر وضوحًا حول كيفية تطبيق القوانين الحالية على الابتكارات في مجال blockchain. ومع ذلك، أبدى بعض المشرعين قلقهم من أن هذا النهج قد يؤدي إلى إحجام الشركات عن الابتكار في الولايات المتحدة، مما يفتح المجال أمام المنافسة الدولية. كما ناقش جينسلر تأثير العملات المستقرة (stablecoins) على النظام المالي التقليدي، مشيرًا إلى أنه من الضروري وضع إطار تنظيمي لهذه الأداة المالية لضمان استقرار النظام المالي. وحذر من أن العملات المستقرة يمكن أن تشكل تهديدًا إذا لم يتم تنظيمها بشكل صحيح، نظرًا لارتباطها الوثيق بالأصول التقليدية والتي يمكن أن تؤثر على الاستقرار المالي بشكل عام. ومع استمرار الجلسة، برزت تحديات جديدة تتعلق بإجراءات إنفاذ القانون ضد الاحتيال في مجال العملات المشفرة. حيث استشهد بعض المشرعين بحالات احتيال متزايدة استهدفت مستثمرين جدد في السوق. وفي رده، أشار جينسلر إلى أن الهيئة تعمل على زيادة التعاون مع وكالات أخرى لتعزيز إجراءات الوقاية من الاحتيال والجرائم المالية في هذا المجال. بينما كانت وسائل الإعلام تتبع الجلسة عن كثب، انتشرت نقاشات جانبية حول كيفية تأثير تشريعات الولايات المتحدة على الأسواق العالمية. فقد أشار بعض الخبراء إلى أن الشركات الأمريكية قد تفضل الانتقال إلى دول تقدم بيئة تنظيمية أكثر مرونة، مما يؤثر سلباً على الاقتصاد الأمريكي. وبهذا الصدد، تمثل الجهود التي تبذلها هيئة الأوراق المالية والبورصات عنصرًا حاسمًا في تحديد مكانة الولايات المتحدة كمركز مالي عالمي. في ختام الجلسة، أكد جينسلر على أهمية التعاون بين الهيئات التنظيمية والشركات الناشئة. وأعرب عن اعتقاده بأن الحوار المستمر مع الصناعة سيكون مفتاحًا لوضع إطار تنظيمي فعّال يدعم الابتكار وفي نفس الوقت يضمن حماية المستثمرين. ومع ذلك، استمرت التساؤلات حول المدى الذي يمكن أن تذهب إليه الهيئة في تنظيم هذا القطاع المتطور. تظهر هذه الجلسة أن العالم الرقمي، وبالأخص قطاع العملات المشفرة، يتطلب استجابة تنظيمية مرنة وسريعة، تفهم تعقيدات الابتكارات التكنولوجية الجديدة. وبينما تواصل هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية العمل على وضع الأسس اللازمة لهذا الإطار التنظيمي، يظل السؤال المطروح: هل ستكون قادرة على التفوق على التحديات المتزايدة وتلبية تطلعات المستهلكين والمستثمرين في وقت واحد؟ إن مستقبل العملات المشفرة في الولايات المتحدة يتوقف على ردود الفعل والفهم الدقيق للمسؤولين عن التنظيم، والحاجة الماسة إلى إيجاد توازن بين الابتكار والحماية. وبالتأكيد، ستستمر هذه المناقشات في صدارة الساحة السياسية والاقتصادية في الفترة المقبلة.。
الخطوة التالية