تكمن أهمية الفن الرقمي في التطور التكنولوجي الذي نعيشه اليوم، لكن هناك جانب مظلم ينبغي تسليط الضوء عليه، وهو الأثر البيئي الكبير الذي تتركه الرموز الغير قابلة للاستبدال (NFTs) على كوكبنا. بالتزامن مع ازدياد شعبية NFTs وتزايد فضول المستثمرين وجامعي الفن حول العالم، يغفل الكثيرون عن التكاليف البيئية المرتبطة بهذه التقنية. لقد أصبحت الرموز الغير قابلة للاستبدال جزءًا لا يتجزأ من عالم الفن الرقمي، حيث يمكن للفنانين والمبدعين بيع أعمالهم الفنية في شكل من الأشكال الرقمية التي تُتميز بأن كل رمز يمثل ملكية فريدة وغير قابلة للتكرار. ومع ذلك، فإن العملية التي تحدث وراء الكواليس لإنشاء وتداول هذه الرموز تتطلب استهلاكًا هائلًا للطاقة. تستخدم معظم منصات NFTs تقنية البلوك تشين، والتي تتطلب قوة حوسبة ضخمة للتأكد من صحة المعاملات وتأمين الشبكة. ويتم ذلك غالبًا من خلال عمليات "التعدين" التي تعتمد على أجهزة كمبيوتر قوية تعمل على حل معادلات رياضية معقدة لتأكيد المعاملات. ولكن، ومع تزايد الأعمال والرموز الجديدة التي يتم إنشاؤها، يرتفع أيضًا استهلاك الطاقة بشكل كبير. تشير التقديرات إلى أن صناعة الـ NFTs تستهلك طاقة تفوق ما تستهلكه بعض البلدان الصغيرة. فمثلاً، قد يصل استهلاك الطاقة الناتج عن تداول NFTs إلى ما يُعادل استهلاك الطاقة لبلد بحجم نيوزيلندا. وتعتبر معظم هذه الطاقة مستمدة من مصادر غير متجددة، مما يزيد من انبعاثات الكربون المسببة للاحتباس الحراري. تتزايد الضغوطات على عمالقة التكنولوجيا وصناعة الفن لإيجاد سبل لتقليل الأثر البيئي لتكنولوجيا NFTs. بدأت بعض المنصات في استكشاف استخدام تقنيات أكثر كفاءة من حيث الطاقة مثل Ethereum 2.0، وهي النسخة المطورة من شبكة Ethereum التي تهدف إلى تقليل استهلاك الطاقة بشكل كبير. تعتمد Ethereum 2.0 على آلية جديدة تُعرف باسم "التحصيص" بدلاً من "التعدين"، مما يلغي الحاجة إلى استهلاك طاقة مكثفة. في الوقت نفسه، يواجه المستثمرون وجامعو الفن تحديات جديدة تتعلق بمسؤوليتهم تجاه البيئة. فإلى جانب تأثيرهم على البيئة، فإن الخسائر المرتبطة بانبعاثات الكربون الناتجة عن NFTs تظهر أن هناك حاجة ملحة للتفكير بشكل أكثر استدامة. ومع تنامي الوعي العام حول القضايا البيئية، قد يتجه جمع الفن إلى خيارات أكثر صداقة للبيئة، مثل الأعمال الفنية المطبوعة أو الحلول الرقمية التي تتجنب الاستخدام المكثف للطاقة. ومع ذلك، فإن الانتقال إلى نظام أكثر استدامة ينطوي أيضًا على تجاوز الحواجز الثقافية والفكرية، وإقناع الفنانين والمستثمرين بالتفكير في خيارات أخرى لممارساتهم. إن إدخال شهادات رقمنة صديقة للبيئة والترويج للأعمال الفنية التي تستخدم NFT بطريقة مسؤولة يمكن أن يكون خطوة نحو تقليل الضرر البيئي. حتماً، هناك اهتمام متزايد من قبل الحكومات ومنظمات المجتمع المدني للضغط على صناعة العملات الرقمية بضرورة تكريس جهدها نحو الحلول المستدامة. فعلى سبيل المثال، قد يتم فرض ضرائب أو لوائح على منصات الـ NFTs لتحقيق توازن أفضل بين الابتكار التكنولوجي والحفاظ على البيئة. في المجمل، على الرغم من أن الرموز الغير قابلة للاستبدال تمثل فصلاً جديدًا في عالم الفن الرقمي والابتكار، إلا أن التوازن بين الولع بالتكنولوجيا والضرورة الملحة لحماية البيئة لم يعد خيارًا. يجب أن يكون هناك جهد جماعي لتخفيض الأثر البيئي الناتج عن هذه الرموز، سواء كان من خلال تحديث الأنظمة التقنية نفسها أو التفكير في الممارسات المستدامة. إن نجاح هذه الجهود يعتمد على الإرادة المشتركة للتغيير، وتوعية الفنانين، والمستثمرين، والعامة بأهمية الحد من تأثيرهم البيئي. ومع تطور السوق وازدهار الابتكار، هناك فرصة حقيقية للاعتماد على حلول جديدة تضمن تعزيز الفنون الرقمية دون العبث بكوكبنا.。
الخطوة التالية