في تطور مهم ضمن السياق الجيوسياسي المتصاعد، شدت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس الانتباه عندما انتقدت بشدة الاقتراحات التي تدعو أوكرانيا إلى التنازل عن أراضٍ لصالح روسيا خلال اجتماعها مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في واشنطن. إن هذا اللقاء كان يحمل دلالات عميقة في وقت تتزايد فيه الانقسامات الحزبية في الولايات المتحدة بشأن دعم أوكرانيا، ويضع القيم الأمريكية على المحك. جاءت تعليقات هاريس في سياق اجتماعها مع زيلينسكي، حيث توقفت عند الأنباء المتزايدة حول دعوات من بعض السياسيين الجمهوريين، بما في ذلك مرشح الرئاسة دونالد ترامب، من أجل قطع صفقة مع موسكو. وأكدت هاريس أن هذه الاقتراحات ليست سوى "خيار للاحتلال" و"تسليم البلاد"، مشيرة إلى أن فرض التنازلات على أوكرانيا سيعزز من موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. تجسد هذه التصريحات وجهة نظر واسعة داخل الحزب الديمقراطي، حيث يعتبر العديد من الأعضاء في الكونغرس أن دعم أوكرانيا يعتبر جزءًا أساسيًا من السياسة الخارجية الأمريكية، ويعكس التزامًا بالقيم الديمقراطية والحرية. وفي سياق متصل، اعتبرت هاريس أن أي انحراف عن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تداعيات خطيرة على استقرار المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، أوضحت هاريس أن الدعم الأمريكي لأوكرانيا ليس مجرد موقف من "العمل الخيري"، بل هو جزء من المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة. وذكرت أن "الولايات المتحدة تدعم أوكرانيا لأن ذلك يتماشى مع مصلحة أمننا القومي". هذا التوجه يعكس عمق الانقسام الحزبي، حيث أن支持 أوكرانيا كان تاريخيًا نقطة إجماع بين الحزبين، لكنه اليوم يُعتبر قضية مثيرة للجدل تؤثر على الحملات الانتخابية. وردًا على انتقادات هاريس، أطلق ترامب تصريحًا أعلن فيه أنه "الشخص الوحيد القادر على إنهاء الحرب". في هذا الصدد، حاول ترامب تصوير هاريس وزعمائها بأن لديهم "دماء على أيديهم" بسبب تصعيد الصراع وعدم وجود نهاية واضحة في الأفق. ولكن هذا الدفاع عن موقفه لم يستطع إخفاء حقيقة أن العديد من الجمهوريين لا يزالون يدعمون المساعدات العسكرية لأوكرانيا. عبر زيلينسكي عن رغبتهم في تعزيز دعمهم من الولايات المتحدة، حيث قدم خططًا للبيت الأبيض والكونغرس لتحسين موقف أوكرانيا في المفاوضات المحتملة. وقد أبدى اهتمامًا كبيرًا في طلب أسلحة طويلة المدى لتعزيز قدراتهم الدفاعية، مؤكدًا أن أوكرانيا تحتاج إلى استراتيجيات قوية تسمح لها بالتفاوض بشكل أفضل مع الجانب الروسي. استجابة لمطالب زيلينسكي، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن حزمة جديدة من المساعدات العسكرية تشمل صواريخ باك-3 وطائرات مسيرة. وأكد بايدن أن "روسيا لن تنجح. أوكرانيا ستنجح". إن هذا التعهد بإرسال المزيد من الأسلحة يعكس التزام الولايات المتحدة باستمرار دعمها لأوكرانيا في قتالها ضد الغزو الروسي. وفي خضم هذا السياق، تعكس الأحداث الأخيرة أن العلاقة بين زيلينسكي وترامب تتسم بالتوتر المتزايد. حيث أعلن ترامب تعليقات سلبية حول زيلينسكي أثناء حملته الانتخابية، واصفًا إياه بأنه "أفضل بائع في العالم" للحصول على الدعم الأمريكي، وهو تعبير يعكس استهزاءً بموقف أوكرانيا في خضم الصراع المستمر. تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن الدعم الأمريكي لأوكرانيا لم يعد محصورًا بالانقسام الحزبي، بل جاء ليعكس وجهات نظر متنوعة في المجتمع الأمريكي. تُظهر بيانات مركز بيو للأبحاث أن حوالي ثلثي الديمقراطيين يرون أن الولايات المتحدة يجب أن تساعد أوكرانيا، مقابل ثلث فقط من الجمهوريين. هذا التغير في المواقف يعكس الأزمة العميقة التي يواجهها الحزب الجمهوري، حيث يبدأ كثيرون في الانفصال عن موقف التعاطف التقليدي مع أوكرانيا. يتحذر النقاد من أن هذه الاتجاهات قد تؤدي إلى كبح جهود السلام وتقليص الدعم العسكري لأوكرانيا. في ختام الزيارة، أعرب زيلينسكي عن أمله في الحفاظ على الدعم الثنائي مع أي إدارة قادمة في الولايات المتحدة، حيث تعد أوكرانيا أكبر مستفيد من الدعم الأمريكي. إلا أن العلاقة السياسية المتوترة في واشنطن قد تضع ضغوطًا على تلك العلاقة الحيوية. في هذا السياق، تظل تصريحات هاريس حول أهمية الحفاظ على الدعم الأمريكي لأوكرانيا والتأكيد على عدم قبوله بفكرة التنازل عن أي من الأراضي، بمثابة تذكير بأهمية الثبات أمام التحديات الدولية. إن الصراع في أوكرانيا لا يمثل فقط قتالًا من أجل الحق في السيادة، بل يمثل أيضًا اختبارًا لقيم العالم الحرة في مواجهة الأنظمة الاستبدادية. خلال السنوات القادمة، ستكون الأحداث في أوكرانيا ورد فعل المجتمع الدولي أمام التجاذبات السياسية في الولايات المتحدة نقطة مراقبة محورية. هل ستنجح أوكرانيا في الحفاظ على استقلالها وتعزيز علاقاتها الخارجية؟ أم ستتراجع تحت ضغط المخاطر السياسية الداخلية؟ الوقت فقط هو من يكشف الإجابة.。
الخطوة التالية