تُعتبر عملة البيتكوين - التي تُعدّ أشهر العملات الرقمية في العالم - من بين أكثر الأصول المثيرة للاهتمام في الساحة المالية الحديثة. ومن بين أبرز المفاهيم المستخدمة في تحليل قيمة البيتكوين وتوقع مستقبلها هو "نسب المخزون إلى التدفق" أو ما يُعرف بـ "Stock-to-Flow". فما هو هذا المفهوم، وكيف يساهم في فهم طبيعة البيتكوين الاقتصادية؟ تعود فكرة "نسب المخزون إلى التدفق" إلى عالم الاقتصاد، حيث يُستخدم هذا المصطلح عادةً لقياس ندرة السلع. وتعتمد الطريقة على مقارنة الكمية الحالية من السلعة المتاحة (المخزون) بمعدل إنتاجها السنوي (التدفق). في حالة البيتكوين، يُعتبر المخزون هو إجمالي الكمية المتاحة من البيتكوين الذي تم تعدينه حتى الآن (حوالي 19 مليون بيتكوين حتى كتابة هذه السطور)، بينما يمثل التدفق معدل البيتكوين الجديد المُنتَج شهرياً أو سنويًا. واحد من الأسباب وراء أهمية هذا المفهوم في سياق البيتكوين هو خصائصها الفريدة مقارنةً بالعملات التقليدية. على عكس الدولار الأمريكي أو اليورو، حيث يمكن للطبع أن يتزايد بناءً على قرارات البنوك المركزية، فإن البيتكوين يعتمد على خوارزمية التعدين التي تحدد عدد العملات الجديدة التي يمكن إنتاجها سنوياً. وبذلك، الفرق بين المخزون والتدفق في البيتكوين هو ما يجعلها عملة نادرة، مما يعزز قيمتها مع مرور الزمن. تستند الطريقة إلى الافتراض بأن زيادة ندرة الأصل تجعل قيمته ترتفع. تناقض بيانات تاريخية البيتكوين مع هذه النظرية، حيث ارتفعت قيمتها بشكل ملحوظ بعد كل حدث "هافنينغ" (halving)، وهو الحدث الذي يحدث كل أربع سنوات عندما يتم تقليل مكافآت التعدين لنصف. معظم المحللين يرون أن هذه الأحداث تعزز من نظرية "المخزون إلى التدفق"، حيث يرتفع السهم بسبب انخفاض عرض البيتكوين المستخرج. تاريخياً، قبل وبعد كل حدث هايفننج، لوحظت زيادات كبيرة في سعر البيتكوين. فعلى سبيل المثال، بعد الحدث الأول في عام 2012، ارتفعت قيمة البيتكوين من 12 دولارًا إلى أكثر من 1000 دولار في العام التالي. كذلك بعد هايفننج 2016، ارتفعت القيمة من حوالي 600 دولار إلى ما يقرب من 20,000 دولار في ديسمبر 2017. ومع انتهاء الهامش الزمني قبل هايفننج 2020، واصلت العملة مشوارها الكبير لتصل إلى مستويات قياسية جديدة. ومع أن مفهوم "المخزون إلى التدفق" يعدُّ أداة مفيدة لتحليل سعر البيتكوين، إلا أنه لا يخلو من الانتقادات. يقول بعض المحللين إن الاعتماد الكلي على هذه النظرية يمكن أن يكون مضللاً، حيث لا تأخذ في الاعتبار العديد من العوامل الأخرى التي تؤثر على سوق العملات الرقمية، مثل التنظيمات الحكومية، وتصريحات السياسات النقدية، وكذلك الأحداث الجيوسياسية. علاوة على ذلك، هناك تساؤلات مستمرة حول ما إذا كان نموذج "المخزون إلى التدفق" يمكن أن يُطبق على الأصول الرقمية الأخرى. هناك العديد من العملات المشفرة التي تشمل أساليب إنتاج مميزة، مما يجعل من الصعب تعميم النتائج. الاتجاهات السلوكية للمستثمرين، والتضخم، والطلب على الأصول الرقمية، كلها عوامل تلعب دورًا مهمًا في تحديد السعر والقيمة. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أهمية النموذج المذكور في تفسير الديناميات الاقتصادية للبيتكوين. يُمكن اعتبار البيتكوين بمثابة "الذهب الرقمي" يرجع ذلك إلى خصائصه النادرة وطبيعته اللامركزية. مع استمرار طلب المستثمرين على الأصول التي تُعتبر ملاذًا آمنًا، فإن تحليل المخزون إلى التدفق يُعتبر واجهة لمساعدتهم في فهم كيف يمكن أو ستتطور الأسواق المستقبلية. من جهة أخرى، فإن بعض المحللين يربطون بين صعود البيتكوين وتأثير الاتصالات الاجتماعية والأخبار التي تتعلق بتكنولوجيا البلوكشين. فكلما زادت شهرة العملات الرقمية، زادت فرص استقطاب مستثمرين جدد، مما يحفز نشاط السوق ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار. في الختام، يُعد مفهوم "المخزون إلى التدفق" أداة توجيهية مفيدة في عالم البيتكوين. على الرغم من أنه لن يقدم الجواب الأخير حول مستقبل العملة الرقمية، إلا أنه يُسلط الضوء على تأثير ندرة الأصول وكيف يمكن لها أن تؤثر على السعر. ومع استمرار تطور عالم العملات الرقمية، سيبقى هذا المفهوم عنصراً حاسماً في التحليل والتقييم، مما يساعد المستثمرين والمهتمين في فهم الخصائص الاقتصادية للبيتكوين بشكل أعمق. من المهم التذكر أن العملات الرقمية لا تزال محط نقاش وجدل، ومع كل حماس جديد يأتي بفوائد ومخاطر جديدة يجب مراعاتها. إذا استمر بنك الاحتياطي الفيدرالي في توسيع قاعدة النقد من خلال إجراءات تيسير النقد، فقد يصبح الطلب على البيتكوين كأداة للملاذ الآمن في ازدياد، مما قد يؤدي إلى تعزيز النظرية المتعلقة بـ "نسب المخزون إلى التدفق" كوسيلة لتوقع القيمة المستقبلية لهذه العملة المبتكرة.。
الخطوة التالية