صعود غير مسبوق لجيش قراصنة كوريا الشمالية في سنوات قليلة، أصبحت كوريا الشمالية واحدة من أبرز اللاعبين في عالم القرصنة الإلكترونية، متجاوزة الحكومات الكبرى والشركات العملاقة. إن ما بدأ كجهود متواضعة من قبل مجموعة صغيرة من المتسللين تطور إلى جيش من القراصنة المهرة، الذين أصبحوا يهددون الأمن السيبراني العالمي بشكل متزايد. وفي ظل الجو السياسي المتوتر وانتهاكات حقوق الإنسان، يبدو أن كوريا الشمالية قد وجدّت في القرصنة وسيلة جديدة لتأكيد قوتها الخارجية وجذب الانتباه الدولي. خلال العقدين الماضيين، شهد العالم انفجاراً في الهجمات الإلكترونية، ولا يخفى على أحد أن كوريا الشمالية كانت واحدة من الأسماء البارزة في هذا المجال. ففي عام 2014، شنت مجموعة من القراصنة المرتبطة بالنظام الكوري الشمالي هجومًا إلكترونيًا على شركة "سوني بيكتشرز"، وهي الحادثة التي خلقت ضجة واسعة وكشفت عن مدى تطور الأنشطة الإلكترونية للبلاد. استهدفت المجموعة شركة سوني بسبب فيلم "ذا إنترفييو"، الذي يتناول اغتيال زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، مما أبرز أهمية الرقابة الإعلامية في البلد الذي يعيشه فيه الشعب تحت سيطرة مشددة. تتجلى إستراتيجية كوريا الشمالية في مجال القرصنة الإلكترونية في قدرتها على استغلال الثغرات في نظم الحماية والأمن، إذ تتبنى أساليب متطورة تعتمد على الهندسة الاجتماعية والبرمجيات الخبيثة. يُعتقد أن نظام بيونغ يانغ لا يعتمد فقط على مهارات قراصنه، بل أيضاً على تشجيعهم وتدريبهم من خلال برامج متخصصة تشبه التعليم العسكري. تسعى الحكومة إلى تحسين قدراتهم وتوسيع نطاق عملياتهم لتعزيز تحقيق أهدافها الاستراتيجية. لكن ما الذي يجعل من كوريا الشمالية قوة في مجال القرصنة؟ يعود ذلك إلى عدة عوامل، منها عدم كفاءة نظام الأمن السيبراني في العديد من الدول الأخرى، وحاجة كوريا الشمالية الماسة للحصول على التمويل اللازم لدعم برنامجها النووي، بالإضافة إلى الاستفادة من الفوضى السياسية والتكنولوجية التي تعاني منها العديد من الدول المتقدمة. تعمل مجموعات القرصنة الكورية الشمالية في بيئات متعددة، مستهدفةً بنوكاً ومؤسسات مالية، وكذلك بنى تحتية حيوية. واحدة من أكثر الهجمات شهرة كانت هجوم "وانا كراي" في عام 2017، الذي استهدف مئات الآلاف من أجهزة الكمبيوتر في جميع أنحاء العالم، مما أدى إلى فقدان684 مليون دولار. وقد أثبت هذا الهجوم قدرة كوريا الشمالية على تنفيذ عمليات معقدة على نطاق عالمي. ومع ذلك، لا تقتصر أنشطة كوريا الشمالية على الجانب الهجومي فقط، بل تشمل أيضًا أعمال تجسس إلكتروني على الدول المجاورة، خصوصًا كوريا الجنوبية واليابان. تُظهر التقارير أن قراصنة بيونغ يانغ يتجسسون على القطاعات الحكومية والصناعية، حيث يقومون بسرقة معلومات حساسة من أجل استخدامها في تطوير برامجهم العسكرية أو لتعزيز قدراتهم التكنولوجية. بالإضافة إلى ذلك، تستفيد الحكومة الكورية الشمالية من السياق العالمي الحالي بين الأهمية المتزايدة للأمن السيبراني في الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين، وهو ما يوفر للكوريين الشماليين فرصاً لاستغلال نقاط الضعف. وفي سياق الحرب الباردة الرقمية، القراصنة الكوريون الشماليون يواصلون تحديهم للقرصنة العالمية من خلال الاستمرار في تطوير أساليب جديدة ومبتكرة لتحقيق أهدافهم. ومع ذلك، لا يجب أن نغفل عن الجوانب الإنسانية لهذه القضية. في خضم العمل الحثيث الذي يقوم به القراصنة الكوريون الشماليون، يتجاهلون الكثير من الحقوق الأساسية لمواطنيهم. يغرق نظام الحكم في بيونغ يانغ شعبه في غياهيب الفقر والتعذيب، بينما قد تذهب الأموال التي تُجمع من الهجمات الإلكترونية إلى تمويل برامج النظام القمعية. لذا، يمكن اعتبار هذا الجيش من القراصنة بوجه ما مجرد واجهة لتعزيز بقاء نظام يشتهر بقمعه. في الختام، يشير صعود كوريا الشمالية كقوة قرصنة إلى تحول كبير في معركة الأمن السيبراني العالمي. الحكومة الكورية الشمالية تستغل هذه الأنشطة لتعزيز إيديولوجيتها وسياستها على الساحة الدولية. الانتهاكات المستمرة على حقوق الإنسان في الداخل، والتهديدات الخارجية ذات الطابع السيبراني تمثل وجهين لعملة واحدة، تعبّر عن سياسة نظام قمعي يسعى للبقاء على قيد الحياة في عالم متغير. إن الأهمية الكبرى لهذا الصعود لا تقتصر فقط على الأضرار المادية التي يمكن أن تسببها، بل تمتد لتظهر لنا التحديات التي يواجهها العالم في مجابهة التهديدات الرقمية. لذا، يجب على الدول أن تعمل معًا لتطوير نظم أمنية أفضل وتعزيز التعاون الدولي لمواجهة هذه التهديدات المترابطة وتعزيز الأمان في الفضاء السيبراني.。
الخطوة التالية