عنوان: الصين ترد: استراتيجيات جديدة في مواجهة الحظر الأمريكي على أشباه الموصلات تشهد الساحة العالمية تصاعدًا في التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، حيث اتخذت بكين إجراءات صارمة ردًا على القيود التي فرضتها واشنطن على صناعة أشباه الموصلات. في أواخر عام 2023، أعلنت الحكومة الصينية عن تطبيق قيود صارمة على تصدير عناصر حيوية تتعلق بالتكنولوجيا الحديثة، مثل الغاليوم والألمانيوم، مما أثار قلق الشركات الغربية والعديد من المراقبين الاقتصاديين. تُعتبر صناعة أشباه الموصلات واحدة من أهم القطاعات التكنولوجية في العصر الحديث، حيث تعتمد عليها كل الصناعات الحديثة تقريبًا، من الأجهزة الإلكترونية إلى السيارات الكهربائية. لذلك، فإن أي تقليص في إمدادات المواد الأساسية اللازمة لإنتاج هذه الأشباه قد يؤدي إلى ارتفاع كبير في الأسعار ونقص في المخزون، وهو ما بدأت التأثيرات السلبية له تظهر بالفعل على السوق. في 1 أغسطس 2023، بدأت الحكومة الصينية فرض قيود صارمة على تصدير كل من الغاليوم والألمانيوم، حيث تمثل الصين حوالي 60% من إنتاج الألمانيوم و80% من إمدادات الغاليوم العالمية. الخيارات المتاحة أمام الشركات الغربية بدأت في التقلص، مما زاد من ضغوط السوق ورفع الأسعار بشكل ملحوظ، حيث قفزت الأسعار مشيرة إلى زيادة تصل إلى 50% مقارنة بالعام السابق. هذه التدابير ليست فقط مجرد ردود فعل على الحظر الأمريكي، بل تعتبر أيضًا جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز مكانة الصين في سلسلة التوريد العالمية. بالنظر إلى أن الصين تمثل المورد الرئيسي للعديد من العناصر الأساسية، فإنها تمتلك ورقة ضغط قوية في هذه اللعبة. حيث تعكف الشركات الغربية على البحث عن بدائل، إلا أن الجهود لتقليل الاعتماد على الصين قد تستغرق سنوات. علاوة على ذلك، أعلنت الحكومة الصينية في أكتوبر 2023 عن خطط لتطبيق قيود على تصدير الجرافيت، وهو عنصر أساسي آخر في صناعة البطاريات، مما يضيف مزيدًا من الضغط على الصناعات التي تعتمد بشكل كبير على هذه المواد. تأتي هذه الإجراءات في أعقاب فرض الولايات المتحدة لرسوم جمركية بنسبة 25% على واردات الجرافيت من الصين، كمحاولة للحد من الاعتماد على المورد الصيني. ومع تصاعد التوترات، بات واضحًا أن بإمكان الصين استخدام عنصر انخفاض الإمدادات كوسيلة للضغط على الولايات المتحدة من أجل التفاوض حول شروط أكثر ملاءمة، خاصة في ظل تزايد الاعتماد العالمي على التكنولوجيات المتقدمة. يُشير محللون إلى أن الصين ليس لديها فقط السيطرة على الموارد، بل أيضًا المعرفة والتكنولوجيا اللازمة لتحويل هذه العناصر إلى منتجات نهائية. الملاحظة المثيرة في هذا السياق هي كيف أن بعض الشركات الغربية، بما في ذلك كبرى شركات تصنيع الرقائق، بدأت تتجه إلى تخزين العناصر الأساسية في محاولة للبقاء في السوق. وصرح مسؤولون من شركة "ترديوم" الألمانية أنهم لم يعودوا قادرين على الحصول على الكميات المعتادة من المواد الخام، مما دفعهم إلى البحث عن طرق بديلة للحفاظ على الإنتاج. إحدى الآراء المثيرة للاهتمام جاءت من مسؤول في شركة كندية متخصصة في المعادن، حيث أشار إلى أن السوق العالمية تتجه نحو أزمة محتملة في حال استمرت القيود، مؤكدًا أن الصين قد تسيطر على مشهد الأسواق العالمية، سواء فيما يتعلق بالأقمار الصناعية والتكنولوجيا أو حتى في الصناعات الدفاعية. كما يتطرق النقاش إلى البعد الجيوسياسي للتحركات الصينية، حيث تعتبر هذه الاستراتيجية ليست فقط لمقاومة الحظر، بل هي جزء من رؤية شاملة لصين في وضعها كمركز رئيسي لتكنولوجيا المستقبل. إن تعزيز قدراتها في المجالات التقنية والموارد يعد بمثابة خطوة استراتيجية لتحقيق السيادة التكنولوجية عنصرًا crucial لتعزيز الأمن القومي. لكن الأبعاد التي تتخذها هذه السياسات قد تكون قرب بداية تحول كبير على المدى الطويل، حيث يتجه العالم نحو تقليل الاعتماد على سلاسل التوريد المعقدة التي تعتمد على دولة واحدة. إذ بدأ العديد من الدول - بما في ذلك الولايات المتحدة - بتسريع خطوات تطوير صناعات محلية تعتمد على الموارد المحلية، ما يشير إلى تغييرات كبيرة قد تشهدها الأسواق خلال السنوات المقبلة. في تفسيره للوضع الراهن، قال خبير اقتصادي مهم من الولايات المتحدة إن الكفاح الذي يتخذه كل من الجانبين في سبيل تحقيق أهدافهم الاقتصادية قد لا يؤدي فقط إلى تدهور العلاقات الاقتصادية، بل قد يفتح المجال لبدائل جديدة تتجه نحو التوسع في بيئات اقتصادية مستقلة. ومع استمرار تصاعد التوترات، يتساءل العديد من النقاد والإعلاميين عن ما إذا كانت هذه الاستراتيجيات ستؤدي إلى تفاقم الأمور على المدى البعيد. فمن جهة، تسهم السياسات الحمائية في تعزيز التصنيع الوطني، ولكن في الوقت ذاته تقود السوق نحو تمزق يمكن أن يؤثر سلبًا على جميع الأطراف. وفي هذا السياق، تظل الآثار الاقتصادية والسياسية لأحداث الأيام المقبلة موضوع تفكير ومناقشة بين الدوائر الاقتصادية والسياسية. من الواضح أن هذه الحرب الهادئة بين الصين والولايات المتحدة تتجه نحو مرحلة جديدة من المنافسة على الموارد، مما قد ينجم عنه تجديد تقسيم القوة الاقتصادية في العالم. من البديهي أن نرى كيف ستستمر الأحداث في هذه السلسلة المتتالية من التفاعلات الاقتصادية، لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن الصين أصبحت لاعبًا رئيسيًا في تحريك دفة الاقتصاد العالمي، وأن ردودها على السياسات الأمريكية لن تكون عديمة الأثر. وفي نهاية المطاف، ستؤدي هذه الديناميات إلى إعادة رسم المعالم الاقتصادية وسياسات التجارة العالمية في العقود المقبلة. إن المستقبل يحمل في طياته الكثير من المتغيرات، وكلما تعمقنا في هذه الديناميكيات، زادت لدينا القناعة بأن الأحداث المقبلة ستشكل نقطة تحول هدفها إعادة رسم العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الدول الكبرى.。
الخطوة التالية