تسعى عمالقة التكنولوجيا المالية إلى اقتحام سوق العملات المستقرة الذي يقدر حجمه بحوالي 170 مليار دولار. فقد أظهرت كل من منصة "روبنهوود" الأميركية و"ريفولوت" البريطانية اهتماماً بدخول هذا السوق المربح عبر إطلاق عملاتهم المستقرة الخاصة بهما. يتفرد هذا التوجه في سياق التحول المستمر الذي يشهده قطاع التكنولوجيا المالية، حيث تتطلع المؤسسات الكبيرة إلى الاستفادة من الشعبية المتزايدة للعملات الرقمية. قد يبدو الأمر مثيراً للاهتمام، حيث تأتي هذه الأخبار في وقت تعود فيه العملات المستقرة لتتصدر العناوين، مع دخول خدمات مدفوعات جديدة مثل عملة "باي بال" المستقرة، المعروفة باسم "PYUSD". سعت "باي بال" إلى تعزيز موقفها في السوق بإطلاق عملتها الخاصة، التي حققت بالفعل نجاحاً ملحوظاً ببلوغها قيمة سوقية تقارب 700 مليون دولار، مما جعلها واحدة من أكبر أربع عملات مستقرة في هذا المجال. تعتبر العملات المستقرة مثل "USDC" و"USDT" هي الأبرز في السوق، مع سيطرة "تيذر" و"دائرة" على حوالي 90% من هذه السوق. لكن مع دخول شركات مثل "روبنهوود" و"ريفولوت"، يبدو أن الساحة قد تشتعل بتنافس جديد، قد يقلب الأمور رأساً على عقب ويؤدي إلى تغيير جذري في التوازن القائم. لا تزال خطوات "روبنهوود" في هذا الاتجاه غير مؤكدة، حيث صرح أحد المتحدثين باسم الشركة أنه ليس هناك خطط فورية لإصدار عملة مستقرة. ومع ذلك، لدى "روبنهوود" قاعدة قوية من المستخدمين الذين يعتمدون على منصتها للتداول في مجموعة متنوعة من الأصول الرقمية، بما في ذلك عملة "USDC". هذا ربما يعكس نواياها الجادة لجذب العملاء من خلال تقديم خيارات أكثر تنوعاً. من جهة أخرى، لم تقدم "ريفولوت" أي تعليق رسمي بشأن نواياها، ولكن المتحدث باسم الشركة أشار إلى أن لديهم خططاً للتوسع في عروضاتهم المتعلقة بالعملات الرقمية. في السنوات الأخيرة، ارتفعت شعبية "ريفولوت" بفضل تقديمها خدمات مصرفية مبتكرة ومرنة، مما يجعلها تنافس بقوة في السوق. برغم أن دخول هذه الشركات الكبرى قد يمثل تحدياً حقيقياً للعمالقة الحاليين في سوق العملات المستقرة، إلا أن هناك تهديدات أخرى يمكن أن تؤثر على السوق. الإطار التشريعي الجديد، بما في ذلك لائحة "MiCA" الخاصة بالاتحاد الأوروبي، قد يغذي المنافسة من خلال تقديم بيئة تنظيمية أكثر وضوحاً. ومع تنفيذ هذه القوانين في أواخر عام 2024، ستضطر الشركات مثل "تيذر" إلى مراجعة استراتيجياتها، خاصة وأنها ليست مسجلة بموجب القوانين الجديدة. من الجدير بالذكر أن "تيذر" قد حققت أرباحاً تشغيلية تقدر بحوالي 6.2 مليار دولار في عام 2023، مستفيدة من الفوائد على الأصول التي تدعم قيمة عملتها. مع ذلك، يبدو أن القلق بشأن الامتثال للقوانين الجديدة في أوروبا قد يحد من قدرتها على المنافسة. لذا، فإن دخول شركات جديدة قد يشكل تهديداً جدياً لموقع "تيذر" المهيمن في السوق. عملات مثل عملة "ريبل" التي تخطط لإطلاق عملة مستقرة قريبة من "Ripple USD" (RLUSD) تخضع أيضاً لعمليات اختبار معمقة قبل دخول السوق. ستتضمن هذه العملة آليات متطورة للمنح والحرق، حتى يتمكن المستخدمون من الاستفادة من الفوائد المختلفة. مع ذلك، لا يزال موعد الإطلاق غير مؤكد ولكن العديد من المحللين يتوقعون ظهوره في الأسابيع القريبة المقبلة. يتطلع السوق إلى مزيد من الابتكارات المقدمة من قبل الشركات المختلفة في هذا المجال. فعلى سبيل المثال، تخطط شركة "BitGo" أيضاً لإطلاق عملتها المستقرة المعروفة باسم "USDS" بحلول عام 2025، مع وعد بإعادة توزيع ما يصل إلى 98% من الأرباح على مؤيدي الشبكة، بما في ذلك المؤسسات والبورصات ومقدمي السيولة. إلى جانب التحولات في الإطار التنظيمي، يبدو أن تكنولوجيا العملات المستقرة قد تسهم في تعزيز الأنشطة التجارية والمالية في الأسواق الناشئة، حيث تعتبر خياراً فعالاً للتسويات والتحويلات. تزايدت الحاجة لهذه الحلول المالية، خصوصا مع تصاعد الشغف بالتكنولوجيا المالية في الدول النامية التي تبحث عن خيارات أكثر ملاءمة وسرعة. على الرغم من التحولات المستقبلية المتوقعة، يبقى وقوع السوق تحت سيطرة "تيذر" و"دائرة" لفترة أطول. لكن دخول شركات مثل "روبنهوود" و"ريفولوت" قد يفتح المجال لمنافسة أكبر في هذا المجال الديناميكي. يبدو أن المستهلكين سيكون لديهم خيارات أكثر في المستقبل القريب، وهو ما قد يُحدث فارقاً في عالم المال الرقمي. في نهاية المطاف، يتضح أن دخول عمالقة التكنولوجيا المالية إلى سوق العملات المستقرة يمثل خطوة استراتيجية قوية قد تُحسن من تجربة المستخدمين وتوفر لهم خيارات جديدة. يتوقع الجميع بحذر كيف ستتفاعل هذه الشركات مع المنافسة المتزايدة والإطار التنظيمي الجديد، ولكن المؤكد هو أن هذا السوق سيبقى في حالة دائمة من التغيير والنمو.。
الخطوة التالية