في عالم العملات الرقمية، حيث تتزايد الابتكارات والتحديات بشكل مستمر، أصبحت الدعوات لتشديد التنظيمات تكتسب أهمية متزايدة. في تصريحاته الأخيرة، دعا جيريمي ألير، المؤسس المشارك لشركة "سيركل"، والتي تقدم واحدة من أشهر العملات الرقمية المعروفة باسم "USDC"، إلى اتخاذ خطوات حازمة نحو تنظيم أقوى لهذا القطاع. جاء ذلك خلال زيارة له لمقر الشركة في باريس، حيث تحدث عن المخاطر والفوائد المحتملة للعملات الرقمية. تعتبر العملات الرقمية ظاهرة جديدة في عالم المال، وقد أحدثت ثورة في طريقة التفكير بشأن النقود. إلا أن هذه الصناعات الجديدة ليست محصنة ضد المخاطر. فالتقلبات الحادة في أسعار هذه العملات، وكذلك حالات الاحتيال التي انتشرت في الآونة الأخيرة، أثارت قلق العديد من المستثمرين والمستخدمين. وقد أثبتت الأنباء عن انهيار منصات مثل "FTX" وظهور عمليات احتيال جديدة، أن هذا المجال بحاجة ماسة إلى إشراف أكبر. خلال حديثه، أشار ألير إلى أن "سيركل" اتخذت إجراءات لتقديم عملة مستقرة مصممة لتقليل التقلبات، حيث يرتبط سعر "USDC" بالدولار الأمريكي. تظهر الإحصاءات أن هناك حوالي 35.5 مليار دولار من "USDC" متداولة حاليًا، مما يدل على الطلب الكبير على حلول مالية مستقرة وسط الفوضى التي تسببها العملات الأكثر تقلبًا مثل "بيتكوين". لكن ألير اعتبر أن توفير العملات المستقرة ليس كافيًا. فقد صرح بأن على جميع المشاركين في السوق تقديم ضمانات اجتماعية وامتثال قانوني، تحذو حذو ما يحدث في صناعات أخرى مثل الذكاء الاصطناعي. وفي سياق هذا النقاش، رسم صورة واضحة للمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق الشركات في هذا المجال. بحسب ألير، يجب أن تكون هناك "قواعد واضحة للتقييم"، مثل تلك المفروضة على الصناعات التي تتعامل بتكنولوجيا حساسة. ومن خلال هذا المنظور، استشهد بتطوير البرمجيات الخاصة بأنظمة التحكم في الصواريخ الباليستية والذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى أنه إذا كان ينبغي تنظيم هذه الممارسات، فإن الأمر نفسه ينطبق على العملات الرقمية. القلق لم يقتصر على الممارسات غير الأخلاقية فقط، بل امتد إلى الاستخدامات السيئة للعملات الرقمية، مثل عمليات الابتزاز عن طريق "الفدية الإلكترونية". وفقًا لتقرير حديث، سجلت الفترات الأخيرة زيادة في عمليات الابتزاز المتعلقة بالعملات الرقمية، حيث تم دفع 460 مليون دولار كفدية في النصف الأول من عام 2024 فقط، مما يمثل زيادة بنسبة 2% عن العام السابق. تظهر هذه الأرقام المجموعة المتزايدة من المخاطر المرتبطة بالعالم الرقمي، وتبرز الحاجة إلى تنظيم أفضل. وأكد ألير أنه يجب أن يكون هناك وعي بأن الاستخدام السيئ للتكنولوجيا لا يعكس فشل التكنولوجيا ذاتها، بل فشل الأفراد غير الملتزمين بالقوانين. الن Regulatory bodies بدأت تلاحظ هذه الحاجة المتزايدة للتنظيم في دول متعددة. ففي أوروبا، أُقرّ إطار عمل موحد لسوق الأصول الرقمية "MiCA" العام الماضي، مما يتطلب موافقة إلزامية لمقدمي خدمات الأصول الرقمية. وفي الولايات المتحدة، تسعى الإدارة أيضًا إلى تعزيز اللوائح، حيث تم تقديم مشروع قانون يهدف إلى تنظيم سوق العملات الرقمية، والذي يحظى بدعم بعض المرشحين للانتخابات مثل كامالا هاريس. تجري المناقشات حول هذه المواضيع في أوساط المستثمرين والشركات الكبرى في مجال التكنولوجيا المالية. بينما تستمر "سيركل" في تطوير ذاتها، تخطط الشركة لنقل مقرها الرئيسي من بوسطن إلى مدينة نيويورك، مما يُعتبر خطوة رمزية تعكس طموحاتها في أن تصبح رائدة في تقديم "الدولار الرقمي". تُظهر هذه التطورات أن عالم العملات الرقمية لا يزال في مرحلة النمو، ويمر بتحديات تتطلب استجابة فورية من كل الفاعلين فيه. سيكون على الشركات أن تتبنى ممارسات المسؤولية الاجتماعية وأن تعمل في إطار من الشفافية لضمان نجاحها واستمراريتها. تعتبر الدعوة إلى تنظيم أعلى خطوة تشجيعية نحو بناء قطاع أكثر موثوقية وأمانًا. كما أن التعاون بين الشركات والحكومات حول العالم يمكن أن يسهم في إنشاء إطار عمل متوازن، يحمي المستهلكين والمستثمرين بنفس القدر الذي يشجع فيه على الابتكار والنمو. ما يزال المستقبل بالنسبة للعملات الرقمية مليئًا بالغموض والتحديات، لكن التحركات الحالية نحو تنظيم أكثر صرامة تشير إلى إمكانية وجود بيئة أكثر استقرارًا وأمانًا لكل من المستخدمين والشركات. في النهاية، ستتضح معالم مستقبل العملات الرقمية، ولكن بالتأكيد، ستكون القوانين والتنظيمات الجيدة هي محور هذه الرحلة.。
الخطوة التالية