في خضم الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعصف بلبنان، تطورت طرق جديدة لتأمين لقمة العيش والتمويل في هذا البلد المنهك. لا يبدو أن الأوضاع الاقتصادية ستتحسن قريبًا، إذ وصلت قيمة الدولار الأمريكي إلى مستويات متدنية جداً، حيث يُباع الدولار الواحد بأقل من 15 سنتًا، مما دفع اللبنانيين للبحث عن بدائل جديدة للحفاظ على عائلاتهم. في ظل انقطاع الأمل في تحسن الوضع المالي، اتجه بعض اللبنانيين إلى عالم العملات الرقمية، بدءًا من تعدين البيتكوين ووصولاً إلى استخدام عملات مستقرة مثل "تيثر" (Tether) في المعاملات اليومية. هذا التحول يعتبر عكس الاتجاه التقليدي المرتبط بالاستثمار التقليدي، وهو بمثابة رد فعل مباشر للأزمة الاقتصادية المستمرة. تبدأ القصة مع شاب لبناني يُدعى "حسن"، والذي كان يعمل في قطاع تكنولوجيا المعلومات قبل أن يواجه تدهورًا في وظيفته نتيجة للأزمة. رأى حسن أن تعدين البيتكوين يمكن أن يكون فرصة له لتأمين دخل ثابت. ومع انقطاع التيار الكهربائي لمدة طويلة يوميًا، استخدم حسن طاقة مولد كهربائي صغير لتشغيل معدات التعدين الخاصة به. وبفضل هذه الخطوة البسيطة، تمكن من جمع بعض مكافآت البيتكوين. في ظل الظروف الراهنة، أصبح عدم استقرار الليرة اللبنانية جزءاً من الحياة اليومية. ومع انهيار النظام المالي، وجب على اللبنانيين الاعتماد على أنفسهم بشكل أكبر. كان حسن يتحدث بفخر عن كيفية استخدامه لتقنيات جديدة لتأمين لقمة العيش، قائلاً: "أنا أعيش في دولة تعاني من الفوضى، ولذا قررت أن أكون جزءًا من الحل". بالإضافة إلى ذلك، تحول اللبنانيون إلى استخدام عملة "تيثر"، التي تعد عملة مستقرة ترتبط بالدولار الأمريكي وتوفر وسيلة لحفظ القيمة في وجه التغيرات السريعة في السوق. يُسهل الاستخدام الواسع لـ تيثر التعاملات اليومية، مثل شراء الخضار والمواد الغذائية. يقول أحد تجار المواد الغذائية في بيروت: "الناس هنا باتوا يفضلون الدفع بتيثر، فهي أكثر أمانًا بالنسبة لهم فضلاً عن أنها تحميهم من تقلبات الليرة". وتشير التقارير إلى أن الطلب على العملات الرقمية في لبنان قد زاد بشكل كبير، ليس فقط من الأفراد بل أيضًا من الشركات الصغيرة. يقوم بعض رواد الأعمال بالتكيف مع الوضع من خلال قبول المدفوعات بالعملات الرقمية. هذا الاتجاه يُعتبر استجابة سريعة للواقع الاقتصادي الصعب، مما يبرز الابتكار اللبناني في وقت الأزمات. تقول "ليلى"، ربة منزل وأم لأربعة أطفال، إنها بدأت تستخدم تيثر لشراء احتياجات عائلتها. "في السابق، كنا نعتمد على الليرة اللبنانية، ولكن مع انهيار قيمتها، اضطررنا لتغيير طريقتنا. مع تيثر، أستطيع شراء المواد الغذائية بلا قلق من القيمة المتقلبة للنقد المحلي". تعكس قصتها تجارب العديد من اللبنانيين الذين تحولوا إلى عالم العملات الرقمية. على الرغم من هذه الابتكارات، فإن الوضع في لبنان لا يزال قاتمًا. يواجه الكثيرون تحديات مثل نقص الكهرباء، وصعوبة الوصول إلى الإنترنت، والتضخم المتزايد. ولا تزال العديد من الأسر تعاني من الفقر المدقع، حيث يُعتبر تأمين الطعام الكافي للأطفال تحديًا يوميًا. لكن مع ذلك، يسعى اللبنانيون للابتكار من خلال استخدام التكنولوجيا والبحث عن بدائل خلال الأزمة. تتزايد أيضًا المجتمعات المهتمة بمجال العملات الرقمية التي تنشأ بشكل غير رسمي، حيث يقوم الأفراد بمشاركة المعرفة والخبرات حول المعاملات والتعدين. يُعتبر هذا النوع من التعاون وسيلة لمواجهة الأزمات من خلال تعزيز الروابط المجتمعية وتبادل الموارد. يُسهم ذلك في خلق بيئة من الدعم والتشجيع، مما يساعد الأفراد على تطوير مهارات جديدة تدعمهم في مواجهة تحديات الحياة. ومع استمرار الانهيار الاقتصادي، فإن مستقبل لبنان لا يزال غير مؤكد. ومع ذلك، فإن استخدام العملات الرقمية يعد بمثابة بصيص من الأمل للكثيرين. لطالما كانت الابتكارات التقنية وسيلة للتكيف مع الظروف الصعبة، وقد يشعر البعض بأن العملات الرقمية قد تكون الحل الفعلي للجوانب المالية المعقدة. على الرغم من الآمال، فإن التحديات التي تواجه اللبنانيين المستخدمين للعملات الرقمية لا تزال عديدة. فالتعامل مع تقلبات الأسواق، بالإضافة إلى التحديات التقنية، يجعل من الصعب على الكثير القيام بخطوات مماثلة. ولكن على الرغم من هذه العقبات، فإن البحث عن الأمل والتحسين هو سمة مميزة للشعب اللبناني. وفي الوقت الذي يتم فيه تقديم الحلول البديلة، يُعتبر تعدين البيتكوين واستخدام تيثر مجرد بداية. يسعى اللبنانيون لإعادة بناء حياتهم بطريقة تتماشى مع المتغيرات السريعة التي تطرأ على العالم من حولهم. يبقى الأمل قائمًا في أن تُحل الأزمات الاقتصادية والسياسية في النهاية، وأن تُعيد لبنان إلى مسار التنمية المستدامة. في النهاية، فإن تجربة اللبنانيين مع العملات الرقمية تعتبر درسًا عالميًا حول الابتكار والقدرة على التكيف. وفي ضوء الأزمات، يمكن للتكنولوجيا الحديثة أن تلعب دورًا كبيرًا في إعادة بناء المجتمعات وتأمين حياة كريمة. على الرغم من الظروف القاسية، تبقى الروح الإنسانية قادرة على التكيف، وعلى اللبنانيين إثبات ذلك في كل خطوة يخطونها نحو تحسين حياتهم والبحث عن المستقبل الأفضل.。
الخطوة التالية