تُظهر الحرب الأهلية في اليمن المخاطر المتزايدة للعملات الرقمية في ظل النزاعات المسلحة والبيئة الاقتصادية غير المستقرة. وفي حين أن العملات الرقمية كانت تُعتبر في بادئ الأمر وسيلة للتحايل على الأنظمة المالية التقليدية، فقد كشفت صراعات مثل تلك التي نشهدها في اليمن عن عواقبها السلبية، وكيف يمكن أن تُستخدم في تمويل النزاعات وتسهيل الأنشطة غير القانونية. منذ بداية الحرب الأهلية في اليمن عام 2014، عانت البلاد من انقسام سياسي واجتماعي واقتصادي عميق. أدى الصراع المستمر بين الحكومة المعترف بها دولياً والمتمردين الحوثيين إلى إنشاء نظام مالي هش يعاني من الفساد وانهيار العملة الوطنية. وفي هذا السياق، برزت العملات الرقمية كخيار للبعض، بحثًا عن الأمان والتخفيف من المآسي اليومية. على الرغم من التحديات المستمرة، يواجه أولئك الوطنيون أزمة في الحصول على الأموال لتمويل احتياجاتهم الأساسية. هنا، تدخل العملات الرقمية كبديل مثير للجدل. إذ تتيح هذه العملات التحويلات غير المكلفة عبر الحدود، وتقدم وسائل للتجارة غير الرسمية التي قد تُعتبر أكثر أمانًا من التعاملات التقليدية المتأثرة بالنزاع. لكن هذه المزايا تأتي مع تكاليفها. تتحدث التقارير عن كيفية استخدام المتمردين الحوثيين للعملات الرقمية لجمع الأموال. حيث يتم تحويل الأموال من خلال منصات غير مرخصة، مما يسهل عمليات تهريب الأسلحة وشراء المعدات العسكرية. وتُظهر هذه الأمثلة كيف يمكن للعملات الرقمية أن تُسهم في تفاقم الصراعات، بدلاً من تقديم الحلول التي يبحث عنها المواطنون العاديون. في اليمن، يُستخدم العديد من منصات العملات الرقمية، التي تتيح للمستخدمين إجراء المعاملات بشكل مجهول. ومع افتقار الحكومة إلى السيطرة على هذه المنصات، يُعتبر هذا الأمر مصدر قلق كبير، حيث يمكن استغلال الثغرات لصالح الجماعات المسلحة المخالفة للقانون. علاوة على ذلك، يعاني المُستخدمون في البيئة اليمنية من تحديات تتعلق بالأمان والأمانة، حيث لا يزال السوق غير منظم. ويُعتبر نقص الوعي والتعليم حول العملات الرقمية تحديًا إضافيًا، مما يضع الكثيرين في مواضع صعبة ويعرضهم للاحتيال. فالكثيرون يقعون ضحية لوعود زائفة وأشكال جديدة من الاحتيال القائم على الإنترنت. تشير بعض الدراسات إلى أن الحلول الممكنة لمكافحة هذه الظواهر تتطلب تعاونًا دوليًا أكثر فعالية. يُعتبر فرض الرقابة والتنظيم على العملات الرقمية جزءًا من الحل، لكن القيام بذلك يتطلب توافقًا بين الدول التي تستثمر في التكنولوجيا الحديثة. وهذا موضوع معقد في ذاته، حيث يُظهر الصراع الدائر في اليمن إلى أي مدى يُمكن أن تكون حركات النقد الرقمية مرتبطة بالآثار النفسية والاجتماعية للاحتياجات الإنسانية. أيضًا، تُظهر تجارب اليمن بأن الحلول التقليدية لم تعد كافية لمواجهة العواقب الطويلة الأمد لهذه الأزمات. فالاستثمار في التعليم والتثقيف حول العملات الرقمية يمكن أن يسلط الضوء على الجوانب الإيجابية والسلبية لهذا القطاع. وهذا يقودنا إلى النقطة الأساسية: أهمية الوعي بالمخاطر المحتملة والفرص التي يمكن أن تأتي من العملات الرقمية. تُنير الخبرة اليمنية الطريق لكثير من البلدان الأخرى التي تعاني من النزاعات. يجب على الحكومات والمجتمعات أن تضع خططًا للتعامل مع العملات الرقمية في سياقات أزمات حقوق الإنسان والنزاع. بينما تكشف الحرب الأهلية في اليمن عن المخاطر الكبيرة للعملات الرقمية، فإنه من المهم أيضًا النظر إلى الفرص التي يمكن أن تتاح لتطوير بدائل أكثر أمانًا ومساهمة في إعادة بناء المجتمعات المتضررة. في النهاية، يمثل الوضع في اليمن تحذيرًا لجميع الدول. فمن الضروري تبني استراتيجيات شاملة لمعالجة تحديات العملات الرقمية ضمن سياقات الأزمات والنزاعات. ينبغي على الدول العمل معاً لوضع سياسات تحمي المواطنين من مخاطر التلاعب والنصب التي تترافق مع نقص التنظيم، وتعزز من الاستخدامات الإيجابية لهذه التكنولوجيا الحديثة. إن الأزمة في اليمن ليست مجرد تجسيد لمخاطر العملات الرقمية، بل تُبرز الحاجة إلى مزيد من الرصد والتوجيه لتشكيل عالم رقمي آمن يمكن أن يسهم في التنمية والازدهار. ومع وضع الأزمات التاريخية في الاعتبار، فإن البحث عن حلول شاملة سيكون ضروريًا لضمان عدم تكرار هذه التجارب المؤلمة في أماكن أخرى.。
الخطوة التالية