في خطوة قد تُحدث ثورة في النظام المالي العالمي، أفاد محللون بأن بنك "بريكس" (BRICS) يخطط لإصدار عملة رقمية خاصة بالكتلة الاقتصادية التي تضم البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا. يأتي هذا الاقتراح في وقت تتزايد فيه الدعوات للابتعاد عن العملات الغربية وتعزيز الأنظمة المالية المستقلة بين الدول النامية. تتكون مجموعة "بريكس" من خمس دول رئيسية ذات اقتصادات كبيرة، وقد أسست هذه المجموعة في عام 2009 لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بينها. ومع تصاعد الاحتكاكات التجارية والسياسية مع القوى الغربية، باتت الدول الأعضاء في "بريكس" تبحث عن سبل لتعزيز تجارتها الخارجية وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي، وهو الأمر الذي قد يسهم فيه إصدار عملة رقمية موحدة. وفقًا لمحللين، فإن العملة الرقمية قد توفر مزايا عديدة لدول المجموعة. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تساعد في تسهيل المدفوعات عبر الحدود، وتخفيف الرسوم المرتبطة بالتحويلات المالية التقليدية، وتحسين القدرة على تتبع الأموال ومنع التهرب الضريبي. كما أن هذه العملة قد تمثل خطوة مهمة نحو تعزيز الاستقلال المالي لهذه الدول وتخفيف التأثير الذي تمارسه العملات الرئيسية مثل الدولار واليورو. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساعد العملة الرقمية الدول الأعضاء في "بريكس" على تحقيق أهدافها الاقتصادية والتنموية. فمن خلال تعزيز التجارة البينية، يمكن للدول الأعضاء تحسين مستويات النمو، وزيادة الاستثمارات الخارجية، وتعزيز قدرتها التنافسية على الساحة العالمية. تبدو هذه الخطوة متماشية مع اتجاهات عالمية أوسع حيث تسعى الدول إلى تطوير عملات رقمية رسمية. فقد بدأ العديد من البنوك المركزية حول العالم في دراسة وإصدار عملات رقمية خاصة بها، وكان لبعضها تجارب ناجحة بالفعل. فمثلاً، أطلقت الصين عملتها الرقمية "اليوان الرقمي"، والتي شهدت نجاحًا كبيرًا في الاستخدام المحلي. وهذا قد يوفر نموذجًا يمكن لبنك "بريكس" الاستفادة منه في تطوير عملته الخاصة. لكن على الرغم من الفوائد المحتملة، هناك تحديات عديدة قد تواجه هذا المشروع. أولاً، تحتاج الدول الأربعة لعقد اتفاقيات قوية وواضحة بشأن كيفية استخدام العملة الرقمية وآليات تنظيمها وإدارتها. التعاون بين الدول الأعضاء يمكن أن يكون معقدًا في بعض الأحيان، خاصةً فيما يتعلق بالقوانين واللوائح المالية. وقد تحتاج الدول إلى إنشاء هيئات تنظيمية مشتركة لضمان التوافق والشفافية. ثانيًا، هناك مسألة الثقة. فلكي تُحقق العملة الرقمية نجاحًا، يجب على الدول الأعضاء وشعوبها أن تثق في نظامها وقدرتها على الحفاظ على القيم واستقرار الأسواق. لذا، قد تحتاج الدول إلى العمل على توعية مواطنيها بفوائد العملة الرقمية وكيفية استخدامها بشكل آمن وفعّال. ثالثًا، هناك القضايا التكنولوجية. حيث يتطلب تطوير عملة رقمية بنية تحتية تكنولوجية قوية وأمانًا عاليًا لحماية المعلومات والمعاملات. يجب على الدول الأعضاء في "بريكس" الاستثمار في التكنولوجيا والتأكد من أن النظام يمكنه التعامل مع حجم معاملات كبير بكفاءة وسرعة. على الرغم من هذه التحديات، تشير التقديرات إلى أن العملة الرقمية الخاصة بـ "بريكس" يمكن أن تُعتبر خطوة تاريخية تعكس تغييرات كبيرة في النظام المالي العالمي. كما أنها تعكس رغبة الدول النامية في توحيد الجهود لمواجهة التحديات الاقتصادية العالمية وتعزيز استقلالها المالي. وبدلاً من الاعتماد على الأنظمة المالية التقليدية التي تهيمن عليها الدول الغربية، تأمل "بريكس" في أن تكون قادرة على بناء نظام مالي يعكس احتياجاتها الاقتصادية الخاصة. علاوة على ذلك، قد تسهم العملة الرقمية في تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في مجالات أخرى، مثل التكنولوجيا والبنية التحتية والابتكار. حيث يُعتبر تبادل المعرفة والخبرات أمرًا حيويًا لتحقيق التنمية المستدامة. في سياق متصل، ينتظر الكثيرون كيف ستتفاعل الأسواق مع هذا الإعلان المحتمل. قد يؤدي إصدار عملة رقمية لـ "بريكس" إلى تقلبات في سعر العملات التقليدية، وقد يزيد من تذبذب أسعار السلع والبضائع. من المتوقع أيضًا أن تراقب الأسواق المالية ردود الفعل من الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللتين قد تعتبران هذه الخطوة تهديدًا لنفوذهما المالي. في الختام، بينما لا يزال هناك الكثير من الغموض حول تفاصيل العملة الرقمية الخاصة بـ "بريكس"، فإنها تمثل خطوة جريئة تعكس طموحات الدول الأعضاء لتعزيز تعاونها المالي والاقتصادي. إذا تم تنفيذ هذا المشروع بنجاح، فقد يؤدي إلى تغييرات هيكلية في النظام المالي العالمي، مما يتيح للدول النامية أن يكون لها دور أكبر في تحديد مستقبل الاقتصاد العالمي. بالتأكيد، ستتوجه الأنظار إلى بنك "بريكس" وانتظار ما سيسفر عنه مستقبل العملات الرقمية في هذا الاطار.。
الخطوة التالية