تعتبر المدن المعتمدة على النفط والغاز مثالا بارزا على المجتمعات التي تتعامل مع تحديات اقتصادية فريدة، حيث تعيش هذه المدن اليوم في فترات من الرخاء والاستقرار، ولكنها تواجه تهديدات وجودية في المستقبل القريب. فقد أصبحت السياسات العالمية المتعلقة بتغير المناخ وإجراءات تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري حديث الساعة، وتجعل هذه المجتمعات في وضع حرج. فما هي الخطوات التي يجب اتخاذها لبناء اقتصادات أكثر مرونة لهذه المجتمعات قبل أن تحل الأزمات؟ تعتبر مدينة رانجيلي، في شمال غرب ولاية كولورادو، واحدة من تلك المدن التي تشهد ازدهارًا حاليًا بفضل صناعة النفط. حيث تتجاوز متوسط دخل الأسرة في هذه المدينة 70,000 دولار، مع انخفاض في تكلفة المعيشة. خلال زيارة للمدينة، استطاع الباحثون رؤية الأسر التي تنطلق في رحلات ترفيهية لتسلق الجبال، مما يبرز حب المجتمع للطبيعة والأنشطة الخارجية. ومع ذلك، فإن هذا الازدهار ليس دائمًا، حيث يعتمد اقتصاد المدينة بشكل أساسي على صناعة النفط والغاز، والتي تسهم بأكثر من نصف الناتج المحلي للمنطقة. الواقع أن الاعتماد على صناعة واحدة يحمل في طياته مخاطر متعددة. فعلى مر التاريخ، شهدت الصناعات النفطية تقلبات حادة بين فترات الازدهار والانكماش. ولكن ما يجعل التهديدات الحالية أكثر خطورة هو التطورات العالمية المتعلقة بالبيئة. فالاستراتيجيات الهادفة لمكافحة تغير المناخ تشير إلى الحاجة الملحة للانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري. وهذا التحول يعني أنه من المرجح أن يتقلص الطلب على النفط والغاز بشكل كبير في العقود المقبلة، مما يُعرض المجتمعات التي تعتمد على هذه الصناعات لمخاطر اقتصاديّة عظيمة. على الرغم من أن العديد من هذه المدن مثل رانجيلي لا تعاني من مشكلات اقتصادية فورية، إلا أنها تستعد لمواجهة عواقب هذا التحول. فقد استحوذت التوجهات السياسية على دعم بعض المجتمعات الأكثر تأثرًا، إلا أن المجتمعات المعتمدة على النفط والغاز، والتي قد تكون في وضع أفضل حاليًا، لا تحظى بنفس الاهتمام. يعتبر هذا غريبًا، حيث يوجد شعور مأساوي بأن الخطر لا يزال بعيدًا، مما يعني أنه قد لا توجد خطط واضحة لدعم هذه المجتمعات في المستقبل. ففي الوقت الذي يُظهر فيه البعض قلقًا من أوضاع المدن المعتمدة على الفحم، يتجاهل العديد من المسؤولين الحاجة إلى البدء بالتخطيط للمستقبل في المدن المعتمدة على النفط. إن التقليل من المخاطر المستقبلية لا يمكن تجاهله، حيث يميل العديد من الرجال والنساء في السياسة إلى متابعة استثماراتهم ونموهم بدلًا من التفكير في تداعيات التحول المناخي. وبدلاً من التفكير في كيفية إحداث تحول متوازن ودائم لتلك المجتمعات، يفضل الكثير منهم، عملاً بالمبدأ القائل "عندما تكون الأمور على ما يُرام، فلماذا نُخاطر؟". مع ذلك، فإن علماء الاقتصاد يدركون أن الحلول يجب أن تُعتمد على خصائص كل منطقة على حدة. فالنماذج الاقتصادية الفعالة يجب أن تأخذ في الاعتبار كلًا من التحديات المحلية والفرص المحتملة. في هذا السياق، يمكن أن تكون قُدُم مدن مثل رانجيلي أمثلة ملهمة للانتقال إلى مجالات اقتصادية جديدة ومنجعة. بعض المجتمعات، مثل قبيلة يوت الهندية الجنوبية في كولورادو، استثمرت في بناء قدراتها الاقتصادية المستقبلية عبر إنشاء صندوق دائم يعزز الاستدامة المالية. تساهم هذه الاستثمارات في نمو محفظة استثمارية متنوعة تساعد في دعم مشاريع جديدة وتوفير فرص عمل بديلة للمجتمع. هذه المقاربات تُظهر بوضوح أنه من الممكن الحفاظ على الهوية الثقافية والاقتصادية في الوقت نفسه عند وضع الخطط. ومع حلول التغيرات الاقتصادية، تظهر الحاجة إلى إنشاء مؤسسات مجتمع محلي تساهم في دعم المناطق المُعرضة للخطر، مما يعزز من erreichability الخيار القائم على التنمية المستدامة. يشير بعض الباحثين إلى أهمية وجود شركة مُعترف بها على المستوى الفيدرالي تدعم هذه المجتمعات من خلال توفير التمويل والبنية التحتية العامة. مثل هذه المؤسسة يمكن أن تُساعد العمال المتضررين من التغيرات الاقتصادية وتساعد في بناء فرص حياة جديدة. لكن رُغم ذلك، يظل الخيار الوحيد هو تعديل الأساليب والاستراتيجيات بناءً على الظروف الخاصة بكل مدينة ومجتمع. كما أن الدعوة إلى اتخاذ إجراءات الآن، حتى قبل ظهور الأزمات، تُعتبر واحدة من أهم الخطوات التي يمكن اتخاذها. إن الإعداد لمستقبل غير مؤكد قد يكون أمرًا صعبًا، لكنه ضروري لتأمين رفاهية الأجيال المقبلة. في النهاية، نعيش في أوقات حاسمة تتطلب منا إعادة التفكير في استراتيجيات الانتقال نحو اقتصاد أكثر مرونة. يجب على صانعي السياسات أن يضعوا في اعتبارهم هذه المجتمعات التي تعيش في وفرة، حتى لا تفاجأ هذه الأمكنة على حين غرّة عندما يبدأ الطلب على النفط والغاز بالتقلص الحاد. حان الوقت لتفعيل استراتيجيات راقية تساهم في تعزيز مرونة السوق وتستعد لفرص مستقبلية.。
الخطوة التالية