تعتبر تكنولوجيا البلوكتشين واحدة من أكثر الابتكارات الواعدة في العقدين الأخيرين، حيث تُعَدّ بديلاً محتملاً للعديد من الأنظمة التقليدية. رغم ذلك، أصدرت شركة مكنزي آند كومباني مؤخرًا تقريرًا يكشف عن التحديات التي تواجه هذه التكنولوجيا في تحقيق النمو المتوقع والوصول إلى نقطة الانطلاق الفعلي. تحت عنوان "البلوكتشين يكافح للوصول إلى مرحلة النمو"، استعرض التقرير الصادر عن مكنزي العوامل التي تعيق تطوير هذه التكنولوجيا وتطبيقاتها على نطاق واسع. تشير الشركة إلى أن هناك عدة جوانب تعيق البلوكتشين، منها الجوانب الفنية والتشريعية، بالإضافة إلى نقص الوعي والفهم لدى السوق. إحدى النقاط الرئيسية التي تناولها تقرير مكنزي هي الحاجة إلى تحسين الأداء الفني لشبكات البلوكتشين. على الرغم من الزيادة الكبيرة في عدد المشروعات القائمة على هذه التقنية، إلا أن العديد منها يواجه مشكلات في قابلية التوسع والأداء. فالعديد من الشبكات لا تستطيع معالجة عدد كبير من المعاملات في الوقت الحقيقي، مما يعيق تطبيقاتها في المجالات التي تتطلب سرعة وجودة عالية، مثل الخدمات المالية والتوزيع اللوجستي. كما يشير التقرير إلى أن التشريعات التي تحكم استخدام البلوكتشين لا تزال غير واضحة ومعقدة في العديد من الدول. في كثير من الأحيان، تفشل الحكومات في وضع إطار قانوني يناسب الابتكار التكنولوجي، وهو ما يخلق عدم اليقين للمستثمرين والشركات. يتطلب الأمر بناء شراكات بين الحكومات والشركات لتحفيز الابتكار وتطوير معايير واضحة للاستخدام. من الجوانب المهمة الأخرى التي تناولها التقرير هو نقص الوعي والفهم لدى الشركات حول قيمة وفوائد تكنولوجيا البلوكتشين. على الرغم من القاعدة الواسعة من الأبحاث والدراسات حول هذه التقنية، إلا أن الكثير من الشركات لا تزال غير مدركة لكيفية الاستفادة منها في نماذج أعمالها. وهذا يتطلب جهدًا تعليميًا أكبر من قبل الخبراء والمستثمرين لتوضيح فوائد البلوكتشين وكيفية تطبيقه بشكل فعّال. يظهر التقرير أيضًا أن هناك توقعات سلبية حول العوائد المالية من الاستثمار في مشاريع البلوكتشين، وهو ما يعيق ضخ المزيد من التمويل في هذا المجال. يدرك المستثمرون أن هناك احتمالات كبيرة للخسارة، مما يؤدي إلى ترددهم في استثمار اموالهم في مجالات قد تكون غير مؤكدة. وبالتالي، يجب على الشركات تقديم نماذج عمل ناجحة تظهر العوائد المحتملة لتشجيع المستثمرين. تتطرق مكنزي أيضًا إلى صعوبة دمج تكنولوجيا البلوكتشين مع الأنظمة الحالية. في الوقت الذي تعتبر فيه البلوكتشين تقنية ثورية، إلا أن الكثير من الشركات ما زالت تعتمد على بنيتها التحتية التقليدية. هذا الأمر يتطلب استثمارات كبيرة وجهودًا ضخمة للانتقال إلى الأنظمة اللامركزية الجديدة، مما يشكل عقبة أمام تبنيها. ومع ذلك، هناك بعض الإيجابيات التي يمكن الخروج بها من تقرير مكنزي. فعلى الرغم من التحديات، فإن البلوكتشين لا تزال تحمل إمكانيات هائلة يمكن استغلالها في المستقبل. يشير التقرير إلى أن هناك العديد من المجالات التي يمكن أن تستفيد من هذه التقنية، مثل سلسلة الإمداد وخدمات التحقق والمصادقة. على سبيل المثال، في قطاع سلسلة الإمداد، يمكن استخدام البلوكتشين لزيادة الشفافية وضمان تتبع المنتجات من المصدر إلى المستهلك. يمكن أن تساعد هذه الشفافية في تحسين الكفاءة وتقليل الاحتيال، وهو ما ينعكس بشكل إيجابي على أرباح الشركات. كما يشكل قطاع الخدمات المالية مجالًا رئيسيًا لاستخدام البلوكتشين، حيث تقدم هذه التقنية فرصًا لتحسين نظم الدفع وتقليل تكاليف المعاملات. ومع تزايد الحاجة إلى حلول مالية أسرع وأرخص، يمكن أن تصبح البلوكتشين خيارًا جذابًا للعديد من البنوك والمصارف. في الختام، يُظهر تقرير مكنزي أن البلوكتشين في حاجة إلى جهود مضاعفة من قبل الشركات والحكومات والمستثمرين لتحقيق النمو المتوقع. ورغم التحديات الكبيرة، إلا أن الفرص ما زالت قائمة. يتطلب تحقيق النجاح مزيدًا من التعاون والتطوير وتوفير بيئة ملائمة تمكن هذه التكنولوجيا من الإزدهار وتحقيق الفائدة المرجوة منها. في عالم يتجه نحو الرقمنة والاعتماد على التكنولوجيا، تبقى البلوكتشين أحد أهم الاتجاهات التي قد تعيد تشكيل العديد من الصناعات.。
الخطوة التالية