أصدرت شركة غارتنر، المعروفة بتقاريرها البحثية القيمة والتي تسلط الضوء على الاتجاهات التكنولوجية، تقريرًا حديثًا يبرز "دورة الضجيج" الخاصة بالميتافيرس، مشيرة إلى أن هذه التقنية الجديدة ستحتاج إلى أكثر من عشر سنوات لتتحقق بالكامل. يشير هذا التقرير إلى التعقيدات والفرص التي تنتظر المتحمسين لهذا المفهوم الثوري. الميتافيرس، الذي يُعتبر عالمًا افتراضيًا يتداخل فيه الواقع مع العالم الرقمي، قد تصدّر النقاشات التقنية في السنوات الأخيرة، وخصوصاً بعد أن شهدنا زيادة ملحوظة في استثمارات الشركات الكبرى في هذه التكنولوجيا. العديد من الشركات بدأت بالفعل بمحاولات لتطوير تجارب غامرة للمستخدمين، من الألعاب الإلكترونية إلى الفحوصات الطبية الافتراضية، ومع ذلك، فإن غارتنر تحذر من أن تحقيق رؤية الميتافيرس الكاملة سيحتاج إلى وقت وجهد كبير. التقرير الذي أُصدر مؤخرًا يقوم بتصنيف تكنولوجيا الميتافيرس ضمن مرحلة "الانتظار المنفعل"، حيث يُتوقع لها أن تستمر في التطور ببطء. وقد أرجعت الشركة هذا التأخير إلى عدة عوامل، منها تعقيدات التقنية نفسها، والاعتبارات المتعلقة بالأمان والخصوصية، إضافةً إلى الحواجز التنظيمية التي قد تؤثر على قدرة الشركات على الابتكار والفرص التي يوفرها الميتافيرس. في العامين الأخيرين، كانت هناك جدل كبير حول كيفية حاجة المستخدمين إلى تكوين هويتهم في هذا العالم الافتراضي، الأمر الذي يتطلب إنشاء منصات تفاعلية فعالة وأمنة. على الرغم من أن العديد من رواد التكنولوجيا يؤمنون أن الميتافيرس يوفر بيئة مثالية للتواصل والتفاعل، إلا أن غارتنر تشير إلى أنه لم يتم تطوير بنية تحتية متكاملة حتى الآن تدعم هذا النوع من التجارب. الاستثمار في الميتافيرس يتطلب تحليلاً عميقًا للمخاطر والعوائد. في حين أن هناك نقاط جذب واضحة، مثل إمكانية الوصول إلى جمهور عالمي وتحقيق دخل جديد من خلال الاقتصاد الرقمي، فإن المشهد التكنولوجي الحالي يحمل الكثير من الغموض. وهذا الأسلوب الحذر الذي تتبعه الشركات الكبرى يتماشى مع ما يشير إليه التقرير من اعتبار الميتافيرس رحلة طويلة تتطلب التجريب والتكيف مع المتغيرات السريعة. تقنية النينتندو و"فورتنايت" وعدد من ألعاب الفيديو الأخرى أظهرت بالفعل كيف يمكن لهذا العالم الافتراضي أن يصبح محورًا للتفاعل الاجتماعي. ولكن، بحسب غارتنر، فإن هناك حاجة لتوسيع هذا المفهوم ليشمل جميع جوانب الحياة اليومية. على سبيل المثال، كيف يمكن للتعليم أن يتكيف مع هذه البيئة الجديدة؟ كيف يمكن إجراء الاجتماعات بطريقة فعالة في هذا الفضاء الافتراضي؟ ومع تكثيف الاستثمارات في التقنيات التي تدعم الميتافيرس، من الواضح أن الشركات تواجه تحديات متعددة في التحول من المشروع التجريبي إلى التنفيذ الفعلي. من بين هذه التحديات التقنية التي تشمل الذكاء الاصطناعي، والتفاعل الصوتي، وتطوير العوالم الافتراضية الغنية. كما تتطلب هذه الإبداعات تعاونًا وثيقًا بين المطورين والفنانين والمصممين لضمان تقديم تجربة شاملة وممتعة للمستخدمين. ثم هناك القضايا الاجتماعية والأخلاقية التي لا يمكننا تجاهلها، إذ إن مفهوم الميتافيرس يثير تساؤلات حول الخصوصية والتحكم في البيانات. في عالم يتسم بالتكنولوجيا المتطورة، يصبح الأمان الرقمي أمرًا بالغ الأهمية. كيف يمكن حماية المستخدمين من التهديدات المحتملة التي يمكن أن تنشأ في هذه البيئات الافتراضية؟ يجب أن يعمل المطورون والهيئات التنظيمية معًا لتطوير معايير أمان مناسبة تضع مصلحة المستخدم في المقام الأول. مع استمرار تطور هذه الديناميكية، يبدو أن على رواد الأعمال والمستثمرين أن يتحلوا بالصبر. إن رحلتهم نحو الميتافيرس ستكون مليئة بالتحديات والفرص على حد سواء. ومن الضروري أن يفهموا أن هذه التكنولوجيا ليست مجرد اتجاه عابر، بل هي تطور ثقافي وتقني طويل الأمد يستدعي التفكير العميق. وفي ختام التقرير، يشير غارتنر إلى أنه، بالرغم من عدم التأكد من الشكل النهائي للميتافيرس، فإن الشركات التي تدخل هذا المجال الآن سيكون لديها القدرة على تشكيل المستقبل. يجب على الشركات أن تبني استراتيجيات مرنة وأن تستثمر في تطوير المهارات اللازمة للبقاء في طليعة هذا التطور. ومع وجود بعض الشركات التي تتبنى الابتكار في الوقت الحالي، يبدو أن أفضل أيام الميتافيرس لا تزال أمامنا. إذا كان الميتافيرس بالفعل هو المستقبل، كما يعتقد العديد من المحللين والمراقبين، فإننا نستعد لدخول عصر جديد من التفاعل البشري، حيث تتداخل الحدود بين العالم الحقيقي والعالم الافتراضي. ستستمر الأبحاث والتطوير في دفع هذه التكنولوجيا إلى الأمام، ولكن، كما يشير غارتنر، سيكون أمامنا الكثير من العمل لنقوم به قبل أن يصبح الميتافيرس جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية.。
الخطوة التالية