في خطوة مثيرة للجدل، حذرت ليز تروس، رئيسة الوزراء السابقة في المملكة المتحدة، من خطط الحكومة الهادفة إلى منح مكتب الموازنة العامة (OBR) مزيدًا من الصلاحيات. يأتي هذا التحذير في وقت يعاني فيه الاقتصاد البريطاني من تحديات كبيرة، متجاوزًا العقبات الناتجة عن جائحة كورونا والخروج من الاتحاد الأوروبي. تروس التي تولت منصب رئاسة الوزراء لفترة قصيرة خلال عام 2022، قد أعربت عن قلقها من التأثيرات المحتملة لهذه الخطط على حرية الحكومة فيما يتعلق بإدارة السياسة المالية. وحذرت من أن تعزيز سلطات الـ OBR قد يؤدي إلى تقييد قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات سريعة وفعالة لمكافحة الأزمات الاقتصادية. تمتد صلاحيات مكتب الموازنة العامة حاليًا إلى تقييم التوقعات الاقتصادية وتقدير تأثير السياسات المالية للحكومة. ومع ذلك، فإن الحكومة الحالية تهدف إلى توسيع هذه الصلاحيات، مما يعني أن الـ OBR قد يصبح له دور أكبر في مراقبة وإدارة السياسة المالية، مما ينقل جزءًا من السلطة من الحكومة إلى هذا المكتب. تعتبر تروس هذا التحرك بمثابة خطوة نحو المركزية، حيث قالت في تصريحاتها إن إعطاء سلطات أكبر لـ OBR يمكن أن يحد من قدرة الوزراء على العمل بمرونة واستجابة سريعة للتحديات التي يواجهها الاقتصاد، مشددة على أن دور الحكومة يجب أن يكون مرنًا وقادرًا على التكيف مع الظروف المتغيرة. وفي سياق مناقشتها، أكدت تروس أهمية وجود توازن بين السلطة التنفيذية والمراقبة المالية المستقلة، مشيرة إلى أن أي تحرك نحو تقييد السياسات المالية قد يمثل تهديدًا للاستقرار المالي على المدى الطويل. وتخشى من أن تزايد سلطات OBR قد يؤدي إلى تدني مستوى المساءلة السياسية، حيث يمكن أن يؤدي التفويض التام للمكتب إلى انتقادات من الرأي العام. علاوة على ذلك، حذرت تروس من أن توسيع صلاحيات الـ OBR في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة قد يعيق النمو والتقدم، حيث يتطلب الأمر قرارات شجاعة قد لا تتماشى مع الأرقام والتوقعات التي يقدمها المكتب. وتؤكد أن الإدارة الاقتصادية لا ينبغي أن تكون قائمة فقط على بيانات وأرقام، بل يجب أن تأخذ في اعتبارها السياقات الاجتماعية والسياسية. من ناحية أخرى، أظهر بعض الوزراء الحاليين دعمهم لفكرة توسيع صلاحيات الـ OBR، معتبرين أن هذا قد يسهم في تعزيز الشفافية والمسائلة. يرون أن دور المكتب يمكن أن يكون مهمًا في تعزيز الثقة العامة في السياسات المالية، وأن المراقبة المستقلة يمكن أن تساعد في تجنب سوء الإدارة المالية. يرى هؤلاء أن الأشهر القليلة الماضية أثبتت الحاجة الملحة لتقوية المؤسسات المالية المستقلة لضمان اتخاذ قرارات مستنيرة. ومع ذلك، فإن موقف تروس يعكس مخاوف شريحة واسعة من المشرعين والسياسيين الذين يخشون من أن أي تحول نحو تقليل السلطة الحكومية سيضر بالاقتصاد. وقد عقدت تروس عدة جلسات مع نواب من حزبها، المحافظين، لإثارة هذا القلق وترسيخ موقفها. تصاعد التوترات حول هذه القضية يأتي في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة الحالية التعامل مع تركيبة اقتصادية معقدة، حيث تتزايد الفجوات الإقليمية في الازدهار ويواجه العديد من المواطنين صعوبات اقتصادية متزايدة. التضخم يستمر في تسجيل مستويات مرتفعة، مما يزيد من ضغوط تكاليف المعيشة على الأسر البريطانية. الجدير بالذكر أن هناك دعوات متزايدة من مختلف الأطراف السياسية والمجتمعية لتعزيز الشفافية المالية والحاجة إلى مؤسسات مالية مستقلة. ومع ذلك، تظل هناك تساؤلات حول كيفية تحقيق التوازن بين تعزيز هذه الشفافية وضمان قدرة الحكومة على الاستجابة السريعة للتحديات الاقتصادية. وفي ختام حديثها، أكدت تروس أن من الضروري أن يستمع الوزراء إلى مخاوف الناس وأن يضمنوا أن تكون السياسات المالية مصممة بشكل يلبي احتياجات جميع البريطانيين، مشددة على أنه ينبغي أن تكون البلاد قادرة على الوفاء بالتزاماتها في مجال السياسة المالية دون أن تتأثر بالرقابة الكبيرة. تمثل هذه المناقشات انعكاسًا للتحديات الكبرى التي تواجهها المملكة المتحدة، حيث يتعين على الحكومة تحقيق التوازن بين الاستجابة لأزمة الاقتصاد وضمان أن تبقى السياسة المالية شفافة ومستجيبة للمواطنين. وفي الوقت الذي تتزايد فيه الآراء المتباينة حول صلاحيات الـ OBR، يبقى السؤال قائمًا: إلى أي مدى يمكن للحكومة الحالية أن تتكيف مع المطالب المتزايدة للشفافية والمحاسبة، مع الحفاظ على قدرتها على اتخاذ القرارات المناسبة في أوقات الأزمات؟ باتت القضية واحدة من القضايا المركزية التي ستحدد مستقبل السياسة الاقتصادية في المملكة المتحدة، وقد يستمر الجدل حول دور الـ OBR في تحديد الاستراتيجيات المستقبلية. في ظل هذه الظروف، من الضروري إبراز أهمية الحوار والمناقشة بين مختلف الأطراف المعنية لتحقيق رؤى متكاملة تلبي احتياجات المجتمع وتحقق الاستقرار المالي.。
الخطوة التالية