في الوقت الذي يستعد فيه الناخبون الأمريكيون لتحديد مسار البلاد في الانتخابات الرئاسية المقبلة، يثير السؤال حول العلاقة بين الدين والسياسة النقاشات بين الناخبين. واحدة من المواضيع المثيرة للجدل هي مدى كون المرشحين الرئيسيين، دونالد ترامب وكامالا هاريس، يمثلان قيم المسيحية بشكل ينعكس في تصورات الجمهور. تشير الدراسات الحديثة إلى أن غالبية الأميركيين لا يرون ترامب وهاريس كمرشحين يمثلون القيم المسيحية بصورة بارزة. وفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة تصنيف الرأي العام، أكد فقط 14% من البالغين في الولايات المتحدة أن كلمة "مسيحي" تصف كلاً من هاريس وترامب "بشكل كبير" أو "بدرجة عالية للغاية". هذا يشير إلى فجوة كبيرة بين الدين والسياسة التي تتضح بشكل خاص في هذه الانتخابات. كامالا هاريس، النائبة الحالية للرئيس، تنتمي إلى طائفة المعمدانيين وقد تأثرت بالتقاليد الدينية التي تحملها عائلتها من الهند. على الرغم من أنها معروفة بمواقفها السياسية المتقدمة، إلا أن العديد من الأمريكيين غير متأكدين من مدى تماهي قيمها الدينية مع تلك التي يتوقعونها من مرشحة للمنصب الأعلى. في الجانب الآخر، ينحدر دونالد ترامب من خلفية بروتستانتية تقليدية، حيث تربى بشكل رئيسي كمسيحي تابع للكنيسة المشيخية، ولكنه بدأ يعرف نفسه كمسيحي غير طائفي خلال فترة رئاسته. ومع ذلك، يبدو أن تأثير هذه الخلفية على توجهاته السياسية محدود، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن نسبة لا تتجاوز 20% من الناخبين ترى أن كلمة "مسيحي" تصف ترامب بشكل قوي. من المثير للاهتمام أن قاعدة ترامب من البيض الإنجيليين البروتستانت، التي تمثل شريحة كبيرة من الناخبين في الحزب الجمهوري، لا يبدو أنها تهتم كثيراً بمسألة الدين. حيث إن حوالي 70% منهم ينظرون له بشكل إيجابي، ولكن نسبة أقل من 20% منهم يعتقدون أنه يمثل قيمهم الدينية. في المقابل، ترى أقلية صغيرة من الناخبين الديمقراطيين، بما في ذلك بعض من الحاضرين في الكنائس السوداء، أن هاريس تمثلهم بشكل أكبر. تشير بعض الآراء الأكاديمية إلى أن موجة من التغيرات الثقافية لدى الأقليات الدينية قد تؤثر على الطريقة التي تتعامل بها المجتمعات الدينية مع الساسة. على سبيل المثال، يصف بعض النقاد كيفية أن القيم التقليدية لا تكفي وحدها لضمان الدعم السياسي، حيث يتوجب على المرشحين إثبات مدى تكامل دينهم مع سياساتهم العامة. يبدو أن بعض الناخبين يستندون إلى اعتبارات أخرى تتجاوز الدين عند اختيار مرشحيهم. فقد صرح بعض المحللين أن الناخبين البيض الإنجيليين جعلوا من ترامب رمزاً لمعارضتهم للقيم الليبرالية أكثر من كونه رمزاً دينيًا تقليديًا. بينما يرى آخرون أن العديد من الناخبين من الأقليات العرقية يتطلعون إلى القيم الروحية والإنسانية التي تعكسها هاريس في خطابها. في ضوء هذه الديناميكيات المعقدة، يصبح من الصعب تبسيط العلاقة بين الدين والسياسة في الولايات المتحدة. بالرغم من أن الانتخابات هي حدث سياسي، إلا أنها أيضاً تعكس الفروق الثقافية والدينية العميقة في المجتمع الأمريكي. أدى هذا الانقسام في الآراء حول الدين في السياسة إلى زيادة النقاشات حول كيفية تأثير الدين على القرارات السياسية. فالكثير من الأمريكيين يشعرون بالإحباط من مشاعر عدم الثقة السائدة تجاه جميع السياسيين، حيث يتم التعامل معهم على أنهم ليسوا صادقين أو أخلاقيين. بينما يواجه ترامب وهاريس هذا المشهد المعقد، يُعتبر كل منهما مرشحاً يتسم بتوجهات جديدة أمام الناخبين الذين يقيسون مرشحيهم بعوامل متعددة، منها الدين، والأخلاق، والكفاءة السياسية. هذا التقييم متعدد الأبعاد قد يؤثر بشكل كبير على نتائج الانتخابات المقبلة. في نهاية المطاف، قد تكون انتخابات 2024 اختباراً حقيقياً للعلاقة بين الدين والسياسة في الولايات المتحدة. مع تصاعد الحماس الانتخابي، يبقى أن نرى كيف سيضع الناخبون معاييرهم لتقييم المرشحين، وما إذا كانت القيم المسيحية ستلعب دوراً بارزاً في هذه المعركة. في ظل ذلك التعقيد، يمكن القول إن الوقت وحده كفيل بالإجابة على السؤال: هل يمثل ترامب وهاريس قيم المسيحية كما يتوقعها غالبية الأمريكيين؟。
الخطوة التالية