تشهد مراكز البيانات في جميع أنحاء العالم زيادة ملحوظة في استهلاك الطاقة، حيث توقعت شبكة الطاقة الوطنية (National Grid) البريطانية ارتفاع هذا الاستهلاك إلى ستة أضعاف في السنوات العشر المقبلة. يأتي هذا التصريح في ظل النمو المتسارع في تقنيات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية، اللذين يعتبران محركين رئيسيين وراء هذه الزيادة. في عالمنا المتصل اليوم، تلعب مراكز البيانات دورًا حيويًا في معظم جوانب حياتنا اليومية. فهي ليست مجرد مراكز لتخزين المعلومات، بل هي العمود الفقري الذي يدعم قابلية التشغيل للعديد من الخدمات الرقمية التي نستخدمها، من التطبيقات الاجتماعية إلى محركات البحث، وصولاً إلى خدمات التخزين السحابي. ومع ذلك، فإن هذا ازدياد الاعتماد على هذه المراكز يأتي مع سعر بيئي مرتفع. في تصريح أدلى به الرئيس التنفيذي لشبكة الطاقة الوطنية، جون بيتيغرو، أشار إلى أن الطلب على الطاقة سيزداد بشكل كبير بسبب الاعتماد المتزايد على التقنيات الحديثة. وذكر أن البنية التحتية الحالية للشبكة، التي يزيد عمرها عن سبعين عامًا، تواجه تحديات ضخمة لتلبية هذا الطلب المتزايد. وأوضح أن هذه اللحظة تاريخية تتطلب إجراءات جريئة لتحويل الشبكة الكهربائية إلى شبكة تستطيع تحمل الاحتياجات المستقبلية. لا يقتصر الاستهلاك المتزايد للطاقة على مراكز البيانات فحسب، إذ من المتوقع أن يصل الطلب على الطاقة إلى مستويات غير مسبوقة بحلول عام 2050 بسبب التحول نحو استخدام الكهرباء في النقل والتدفئة والصناعات. وهذا يعني أن هناك حاجة ملحة لتحسين وتحديث البنية التحتية الحالية لشبكة الكهرباء. في هذا السياق، تشير التوقعات إلى أنه بحلول عام 2050، يتم توقع أن يتضاعف الطلب الكلي على الطاقة في المملكة المتحدة. مع تزايد الأعمال المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، تأتي المخاوف البيئية في المقدمة. بعض الدراسات تشير إلى أن استهلاك الطاقة من صناعة الذكاء الاصطناعي وحدها قد يساوي استهلاك دولة بحجم هولندا بحلول عام 2027. وهذا يعد تحذيرًا خطيرًا، حيث يشير إلى المسار الذي تسير فيه صناعة التكنولوجيا نحو مزيد من الاستهلاك وتبعيات بيئية أكبر. على الرغم من أن الحوسبة الكمومية لا تزال في مراحل التجريب، فإنها تمتلك القدرة على تحقيق ثورة في الطرق التي نعالج بها البيانات. لكن حتى تصل هذه التكنولوجيا إلى مستوى تجاري، يجب علينا أولاً معالجة قضايا الاستدامة والاستهلاك المفرط للطاقة. مراكز البيانات أيضاً تساهم بشكل كبير في تفاقم أزمة الطاقة. فبحسب بيانات رسمية، استهلكت مراكز البيانات في جمهورية أيرلندا، والتي تحتضن مقرات العديد من الشركات التقنية الكبرى مثل جوجل وفيسبوك، نحو 20% من إجمالي الكهرباء المستخدمة في البلاد. وفي حال استمر الاتجاه الحالي دون معالجة، يمكن أن يتسبب ذلك في ضغوط إضافية على الشبكة الكهربائية وتعزيز جدل النقاش حول قدرة الشبكة على مواجهة هذه الزيادة. في إطار الجهود المبذولة لحل هذه المشكلة، يتطلب الوضع الحالي التفكير الابتكاري واتخاذ إجراءات جريئة. التوجه نحو مصادر الطاقة المتجددة واستخدام تقنيات جديدة يمكن أن يساعد في تخفيف الضغوط على الشبكة. ولتحقيق أهداف صافي الانبعاثات صفر بحلول عام 2050، يجب أن يكون هناك استثمار كبير في تحديث الشبكة الحالية وزيادة قدرتها على معالجة الطلب المتزايد. بالإضافة إلى ذلك، يتعين على الحكومات والشركات أن تعمل معًا لوضع استراتيجيات فعالة تساعد في تحقيق التوازن بين احتياجات النمو الاقتصادي ومتطلبات الحفاظ على البيئة. من الأساسي أن يتم دمج الاستدامة في الخطط التنموية لضمان أن التقدم التكنولوجي لا يأتي على حساب كوكبنا. في النهاية، يتضح أن صعود مراكز البيانات وزيادة استهلاك الطاقة هو موضوع حساس يتطلب تسليط الضوء على استراتيجيات فعالة ومستدامة. يجب على كل من الأفراد والشركات إدراك التحديات والمخاطر المرتبطة بهذا التوجه والعمل بشكل متعاون لإيجاد حلول مبتكرة. إن المستقبل الذي نتخيله يعتمد على كيفية تعاملنا مع هذه التحديات اليوم، ولهذا فإن الأمر يستحق تفكيرًا عميقًا وإجراءات فعالة.。
الخطوة التالية